الأربعاء، نوفمبر 18، 2009

العرافة الليبية The Libyan Sibyl

image

image

في دراسة نشرت من قبل ريتشارد سميث بتاريخ ديسمبر 2003 طرح الباحث سؤالا اتنوغرافي انثروبولجي مهم ووجه استفهاما تاريخيا جد موضوعي وأساسي لفهم وتحليل الدورة الحضارية لليبيا عبر التاريخ فيقول : " ماذا عن الشعب الذي أطلق عليه الإغريق اسم "الليبيين" ، وبخاصة أولئك الذين كانوا يعيشون في الصحراء؟. ثم ماذا عن الليبيين ، التي وصفهم هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد ، وهو نفس الشعب كتب عنه ابن خلدون باسم "صنهاجة ". ما يقرب من ألفي عام مضت؟ وتاريخ العرقية نادرا ما يوفر إجابات صريحة بنعم أو لا.

image image image

هوميروس هيرودوتس سترابون

ويتابع مستنجدا بإبعاد ليبيا الاسم ودلالته الإقليمية والقارية من وحي النصوص الجغرافية:

إن أقدم الجغرافيون قسموا العالم إلى ثلاث قارات : أوربا ، آسيا ، وإفريقيا ، على الرغم من إن كلمة "إفريقيا" لم تستخدم إلا في العصر الروماني ، وكانت لا تنطبق إلا على المنطقة المحيطة بتونس الحديثة. قارة إفريقيا ، وكان يشار إليها عادة باسم "ليبيا" التي كانت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ، كان احدها أيضا يسمى ليبيا. القسمان الآخران هما مصر وإثيوبيا. سترابون Strabo يخصص قسم مطولا لمشاكل الكشف الجغرافي المرتبطة إثيوبيا ؛ انظر له كتاب الجغرافيا ، i.2.24 - 28.

Richard L. Smith, "What Happened to the Ancient Libyans? Chasing Sources across the Sahara from Herodotus to Ibn Khaldun," Journal of World History December 2003.

image

قياسات العمل الفنية ومادته في كنيسة سيستين بالفاتيكان

1511 رقم اللوحة
Fresco, 395 x 380 cm
Cappella Sistina, Vatican

MICHELANGELO

“ Every block of stone has a statue inside it

and it is the task of the sculpture to Discover it ”

رجل اسمه أصبح مرادفا لكلمة تحفة

The Libica, or Libyan Sibyl

في العام( 1256 ) قام العلامة فينست دو بوفيه بتجميع أراء الكتاب وما دونه التاريخ عن العرافات في العالم الإغريقي، وسجل في موسوعته الضخمة عن العالم ( ( speculum majus أماكن ولادة عشر عرافات إغريقيات (كوميه، كومه، دلفي، ارثراي، هلسبونت، ليبيا، الفارسية، إفريقيا، ساموس، وتيبور) وهذا التحديد ينسب ولادة هذه العرافة إلى ليبيا أسوة بباقي العرافات اللاتي ذكرهن, وتحدث عما كن يحظين به من مكانة مقدسة في المجتمع الإغريقي، يعرفن الزمن، يتنبأن من خلال علومهن ومعارفهن بالأحداث، يلجأ إليهن كل ذي حاجة بالكشف عن ما غمض وحار في تفسيره أو لحاجة لديه لمعرفة الطريقة والعلامة لتحقق الغيب. كان يقال أن العرافة "كوميه" قامت بكتابة تسعة كتب وطرحتها للبيع على "تاركوينيوس" سابع وآخر ملوك روما. ولعل العرافة الآرثرية التي تنبأت باشتعال حروب طروادة كانت أشهر من قادتها أنفسهم، حتى أن مدينتي: ارثريا ومدينة ماربسوس تقاتلا على أحقية كل منهما بنسبها.
وعرف عن قسطنطين نفسه (أول إمبراطور مسيحي) اعتقاده بنبوءة العرافة الآرثرية عن قدوم المسيح، مما يدل على الأثر المستمر لتراث النبؤات القديم إلى زمنه وإلى حجم الهائل للقداسة التي أحاطت عرافات دلفي ولعدة قرون. لذلك تظهر العرافة الآرثرية،رغم وثنيتها، في سقف الكنيسة السكستينية كواحدة من أربع عرافات يحطن بمجموعة من أنبياء العهد القديم الأربعة كما صورها مايكل آنجلو،..

ليبيكا (libica ) هكذا رسمها مايكل انجلو بلغته اللاتينية ، صفة جنس وهوية ,إنها الليبية أي العرافة الليبية تجلب عالم ما قبل النبوءة المسيحية إلى نهايته.كثيرون لم يعرفوها وربما أكثر تطرق أسماعهم هذه الشخصية المغيبة من وعينا بالتاريخ الليبي في غير أرض ليبيا كما هو حال كثير من مآثر ليبيا العصية على الجمع والمنثورة في متاحف وكتب ومستودعات الأرشيف ببلدان العالم. من قصر فرساي الفرنسي الذي تزين بأعمدة لبدة السامقة ومثلها تلك التي بنيت منها بلدية شيكاغو إلى الوجه الليبي للتمثال النصفي لشاب أسمر إلى النسخ الأصلية لقورينا بالمتحف البريطاني ومنها تمثال أفروديت قوريني أجمل تماثيل الأرض كما يشار إليها عادة والذي عاد في عقد التسعينات إلى متحف السراي بعد أن غيب بمتحف الفاتيكان, ولعل أعجب القصص المرتبطة بكنوزنا الضائعة قصة تلك الضجة التي اقترنت بخاتم اللعنة القورينية والذي منح من حمله إلى جنوب إفريقيا لعنة وأذى حتى اضطر من نهبه من شحات في غفلة من الزمن والسلطة المحافظة إلى إرجاعه لموطنه الأصلي على يد السير جوتشايلد في عقد الستينات من القرن العشرين.

ثمة حكاية أخرى لن نفوت سردها لما فيها من تشويق وغرائبية تتصل بالسير جودتشايلد الذي كان مراقبا عاما للأثار بالمنطقة الشرقية حتى ستينات القرن الماضي والتي دونتها السيدة جويس رينولدز في كتابها عن أخر أعمال جوتشايلد ضمن هامش ما وثقت عن سيرته ,وهي أنه قام بتحميل مؤمياء ليبية عثر عليها بإحدى المقابر من منطقة الجغبوب وأرسلها إلى بنغازي ولكنها فقدت ولم يعثر لها على اثر بعد وصولها إلى بنغازي وفي ظروف مريبة وغامضة وكان الأرض انشقت وابتلعتها الأمر الذي أعاد إلى الأذهان قصص لعنة المومياء وما سمي بلعنة الفراعنة ,فهل كانت لتلك المومياء الليبية لعنتها الوطنية الطراز؟! فقررت العودة إلى مقابر الموت الجيرية وسط هجير الصحراء, ولم تعجبها مدينة الحياة والنور بنغازي وريثة برنيسي الأميرة الفاتنة وموطن تفاحات هيراقليز الذهبية ومهبط نهر الليثون الجوفي وبحيرة ترتينوس الأسطورية وهي الرابضة كحسناء وادعة على ضفاف البحر المتوسط.؟؟؟

image

البطل الاسطوري هيراكليز بحدائق الهسبريدات لأخذ التفاحات الذهبيات

image

الأميرة برنيسي II . ابنة ماجاس حاكم قورينا هذه التي حملت بنغازي البطلمية اسمها .

زوجة بطلميوس يورجتريس الملك البطلمي الثالث حاكم مصر.

خلدها كاليماخوس بقصيدة حفظ لنا الزمن

بعض مقاطعها (برنيقي = برنيكي Berenice)

(267 BC 266 or - 221 BC)

يبدو ذلك ممكنا بالقياس إلى منطق الأساطير .... وكوننا غائبون غارقون في إقليمنا الليبي جغرافيا ومعرفيا مغرمون باجترار الدارج ولوك السائد وترديد المعروف واستنساخ الجود من الموجود , راضون بما توفر وتساقط علينا سهلا وخائرون أمام استفزازات الاجتهاد.نحن كمن يقلب على رأسه صدفة مظلمة وفي آذنيه استودع القطن حشوة مضادة للسمع وفي عينيه توطن عمى الاطلاع بعد أن شغلت عقله مباحث الحل لمعضلة إشباع البطن في حين ران على قلبه الهم تلو الهم فاستحال لا يحفل بتاريخ ولا يأمل بصنع جديده......

لكل هذا راوح الزمن بين أقدامنا وصارت حركة التاريخ ومفاعليه خاضعة لمعدلات التغير بالتحسن والسوء في واقع الحياة المادية فانقطعت علاقتنا بسماء الروحي والمعنوي وتفشى فينا وباء عوز الجمال وفقدان السعادة والاستمتاع بمآثرنا الباهظة اللذة......

في عصرنا هذا تضاعفت رغبات الأمم والدول لبناء ذواتها وبالغت في إشهار كنوزها وتباين بصماتها على جداريات الزمن, وصار ذلك واجبا وطنيا يمليه دستور الهوية وشأنا ثقافيا مناطا بالمؤسسات وإسهاما إنسانيا تسخر له الأقلام حبرها والمراكز والمعاهد بحاثة ودارسين ومجالا تنفق فيه الدول أموالها دون أن تعده هدرا أو تبذيرا في حقل لن ينبت سنابل الربح.

الفنون كما هي الآداب كانت ولا زالت وستظل ملامح لا تتصل إلا بالحضارة أيا كانت تلك الحضارة دونما ارتباط بنوع أو جنس أو عصر ,غير أن الدين والأسطورة واللغة لعبت دورا أساسا في صياغة المحفزات البكر للحضارة كما هو شان العلم الذي قدم نتاج الاشتغال بأنماط التفكير العقلي النفعي في هيئة اكتشافات واختراعات ذات وظائف عملية لتيسير وتطوير أدوات العيش وتسخير الطبيعة وموادها لصالح بني البشر. الفنون والآداب استلهمت الدين والأساطير وتعاطت مع المعنويات والعواطف ومطالب النفس البشرية وأحلامها وطموحاتها مع الهموم والأحزان مع الفرح والسرور ومع التساؤلات التي تطرحها الأنفس أمام تجليات الله في الكون والذات البشرية, من هناك انطلقت فكرة التعبير التشكيلي والتجسيد المادي عبر وسائل اقترحتها البشرية بتلقائية وبانتشارية تتباعد عن مراكزها الأولى وعبر كل العصور وصارت ظاهرة محسوسة في كل تلك الحضارات .تلك هي الفنون إجمالا ومنها فن النحت والرسم بتفصيلات ومسميات متباينة إلا إن الثابت أن كل شعوب الأرض عرفتها. إذن هي ظاهرة إنسانية طبيعية ونتاج موازي ومرتبط بالنشاط البشري منذ أقدم أزمنة غابرة . فالفن كان أولا والسبب انه نابع روحي متفجر لا ينضب فلكل جوانب حياتنا صفات فنية لا نستطيع إنكارها أو تجاوزها.

(( إن الأمم تولد رواقية وتموت ابيقورية )) ول ديورانت

فالرواقية هي التقشف والزهد والابيقورية هي منهج العيش باقتناص اللذة كمدارس للفلسفة الكلاسيكية ليس بالضرورة الاتفاق معها على الاجمال والمضمون الى ما لا نهاية,فنحن كبشر وكأصحاب منهج عقدي سماوي ومنظومة قيم حضارية خاصة لا يمكن أن نؤمن باللذة المطلقة كما الأنعام والتي تحركها الغرائزية الحيوانية إلا أننا ولا شك نستعذب الجمال ونتحسس حلاوة وطعم الحياة في كل مباهجها الراقية بمشاعرنا وأحاسيسنا الرهيفة وبعقولنا المفكرة.

تقول الأسطورة الإغريقية إن زيوس كبير الآلهة اختطف الأميرة الفينيقية أوربا وان أخيها قدموس بن اجينور قد لحقها باحثا عنها وحين وصل دلفي سمع هاتفة الوحي ( أي عرافة الموحى )والتي أخبرته بان يستقر بطيبة ببلاد اليونان فشد الرحال إليها وهناك حدثت له مصاعب جمة ولكنه تمكن من تجاوزها . حمل قدموس معه الأبجدية التي ابتكرها الفينيقيون وعلمها للإغريق وهناك تزوج من " هارمونيا" التي حملت إلى اليونان أول المعارف عن الفنون في حفل بهيج حلت به الآلهة وقدموا لها هدايا ثمينة

في الركن الجنوبي الغربي ،عند مثلث فيثاغورس الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان ،تنبثق من جوف الأرض جبال العوينات وتليها امتدادا في الجانب المصري منطقة الجلف الكبير غير أنها جميعا تؤلف مركبا ثقافيا إقليميا واحدا ومهما لإنسان العصور ما قبل التاريخ الذي عاش في هذه الرقعة مرحلة التدافع البشري دون جوازات سفر . الرحالة المصري احمد حسنين خاض مغامرته للالتفاف حول القطر المصري مطلع القرن العشرين حين انطلق من مصر عبر الإسكندرية ثم بواحة سيوة والجغبوب والكفرة وحتى العوينات -( ليكمل بعدها رحلته حتى تنتهي عند ضفاف النيل ) سجل ملاحظات مبكرة ومهمة عن الجيولوجيا وهو جيولوجي وعن الغطاء النباتي وعن الحيوانات والسكان ولكنه نبه إلى وجود الفن الصخري والرسوم بالمنطقة وهي تمثل جناحا شرقيا للمدرسة الفنية الليبية التي غطت كامل الصحراء الكبرى, تلا ما قدمه احمد حسنين اهتمامات مبكرة أيضا للبحاثة الألمان والذي لا زالوا أصحاب مرجعية بحثية بتاريخ وفنون المنطقة , غير أن تعثر البحث بالمنطقة تراجع لأسباب أمنية وسياسية كانت تحظر وصول العلماء والسواح للمنطقة , مؤخرا شرع الدارسين الألمان في توجيه فرق بحثية للمنطقة لإعادة تقييم المجهودات السابقة والبناء عليها . ومما سجله الدكتور رودولف كوبر kuper R.

clip_image020

من انطباعات ومخاوف نستطيع أن نقدر حجم الكنز الحضاري الذي تحوره هذه المنطقة البكر في حقل الفن الصخري بليبيا ومصر والعالم فأثناء زيارته لمصر سجل التالي :

" لوحات أنيقة من صنع إنسان عصور ما قبل التاريخ رفقة هذه الطبيعة القاسية هي الآن بجبال الجلف الكبير والعوينات , كما هي مذهلة في البساطة إنها تذكرنا بإعمال بيكاسو. لقد وفرت الصحراء حرما محدودا لهذه اللوحات, كما أسهم ابتعادها عن اقرب نقطة استيطان بشري حوالي (500 كم ) في منح الملاذ الآمن للقليل من هذه الروائع. إن أي حماية فعالة لهذه الرقعة تستوجب اتفاقا ثلاثيا بين البلدان الثلاث المتجاورة, ذلك انه ليس الفن الصخري وحده على المحك وفي خطر بل أيضا الثقافة المحلية للإقليم وأيضا التاريخ والتراث الطبيعي للمنطقة بأكملها.

"لا يمكنك تقدير كمية الأضرار التي لحقت ،" - يقول الدكتور كوبر كعالم أثار ألماني منخرط في عملية حماية للآثار الفنية بالمنطقة- فمعظمها يرجع إلى عصر أو مرحلة الجفاف الأخيرة التي ضربت منطقة الصحراء الكبرى منذ 5,000-7,000 قبل الميلاد .

أولى اكتشافاتنا لمهد الفن كانت على مسطحات الصخر وفي جوف الكهوف في اسبانيا وفرنسا غير إن ترتيبها الزمني من حيث القدم انقلب رأسا على عقب مع ما قدمه متحف الفن الأول بليبيا على سفوح ووديان الأكاكوس وفي مرتفعات وكهوف تاسيلي وفي جبال الصخور الوردية بالعوينات الشرقية. والتي درست من عديد العلماء أمثال ماكهيو وهنري لوت

‘In Search of the Tassili Frescoes’ Lhote, Henri (1956

clip_image022

Lajoux, Jean-Dominic (1963) ‘The Rock Paintings of the Tassili’Cleveland Ohio: World Publishing Company

LeQuellec, Jean-Luic (1993) ‘Symbolisme et art Rupestre au Sahara’ Paris: Editions L’Harmattan

Muzzolini, Alfred (1995) ‘Les Images Rupestres du Sahara’ France: Toulouse

ودراسات ألمانية

Mueller, Gert 1997, & 2003 reprint ‘Wie Sand im Licht des Mondes: Dichtung der Tuareg’, Innsbruck: Haymon

van Troth, Desiree 2001 ‘Heisse Sonne Kalter Mond: Tuaregnomaden in der Sahara’, Muenchen: Frederking & Thaler

van Trotha, Desiree 2000 ‘Die Enkel der Echse: Eine Frau im Land der Tuareg’ Muenchen: Goldmann verlag

clip_image002[7]clip_image004[12]

عالم ما قبل التاريخ الايطالي فابريسيو موري على سفوح الأكاكوس, يحمل أغراضه على ناقة كما كان الطوارق يجوبون الصحراء , الجمل يعتقد انه أخر الحيوانات المستأنسة التي دخلت الشمال الإفريقي مطالع القرن الأول والثاني الميلاديين وإن كانت بعض الدراسات تنفي ذلك وتقول بأنه يمتد بوجوده إلى تاريخ أقدم كما نرى في اللوحة الملونة للجمل والمكتشفة بكهوف الأكاكوس, لكن الثابت أن استخدامه للركوب كوسيلة انتقال وظهوره في مدونات تاريخية يرجع إلى بداية العصر الروماني. الجمل لازال يعيش بالصحراء, وكذلك هم الطوارق فرسان الصحراء . السيد موري ارتبط كثيرا بالطوارق كمجتمع محلي ينتشر بجغرافيا المكان , لذا نجده قد استقى جل معلوماته عن البيئة والأسماء والرموز الشعبية وطقوس وعادات المجتمع المحلي وثقافة الخرافات والميتافيزيقيا السائدة بين السكان من مرشده وساعده الأيمن الشيخ

( كارنافودا ) وهو من طوارق المنطقة وخبراء الصحراء المشاهير. لقد ساعده هذا كله في إعادة رسم خارطة المكان وفك رموز الرسومات وتفسير ما عجزت عنه ثقافته الأوربية وعلوم العصر. التي لم تسعفه بخيال رجال الصحراء ووحي جبالها وكثبانها.فهل كانت كهوف الصحراء مهد الإنسانية وملاذها البكر؟. وهل كانت جدرانها الفجة أول جاليري لتصاوير العبث الباطني والتأملات المؤنسة لنفسه المروعة بهواجس الهمجية ؟. هل هي الخربشات البريئة الرائدة بدفتر الصخر القاسي أو ما يسمى بطفولة الفن ومدرسة الفن المفتوحة لإنسان المكان الباحث عن ذاته والمتفكر في ملكوت الله محاولا رسم محيطه ومجسدا سيطرته على الطبيعة وكائناتها معبرا عن وجوده بخطابه الملون؟!. البعض يراها كل هذا. ويصنفها كمرحلة أولى لما قبل الكتابة والتي لولاها لما خطونا عتبة التدوين. والى يومنا هذا يتعلم الطفل الرسم قبل الكتابة ويحبه أكثر, وأكثر الكبار ثقافة وإحساسا بالجمال ورهفا يقف طويلا أمام لوحات الرسم ويقتني منها ما يعجبه ليعلقها في كهفه الحديث ( منزله) فهل هو الحنين لعادة قديمة!!!!!!!!!!!؟.

image لوحة من لوحات الفن الصخري بالصحراء الليبية

تصور رجلين بعمامتين. قارنها بعمامة الطوارق في يومنا هذا!

البروفسور فابريسيو موري هو رئيس البعثة الايطالية بليبيا

والتي نشرت كتاب " ليبيا . فن الصحراء"

LIBIA: L arte del deserto 

clip_image030

clip_image032

وكتابه " الحضارة الكبرى للصحراء القديمة "

Fabrizio Mori

(1998) ‘The Great Civilisations of the Ancient Sahara’ Rome: L’ERMA di BRETSCHNEIDER

كما اعتبرت كتابات إبراهيم الكوني الروائية من المراجع المنجمية لمادة السبر التحليلية لفن الكهوف بالصحراء الليبية ,فكما ثابت فان عملية التحليل والتوصيف للعمل الفني تستدعي لإتمامها فهم حقيقي ورصين للبيئة الرمزية وللفلكلور والأسطورة وطقوس العبادة وعادلات الدفن ومعرفة بالمعاني المخبأة وراء الأشكال والزخارف والتي عادة ما تحمل أصداء معرفة غابرة ظلت تتردد في الحكاية والأغاني والأهازيج وخرافات السحر والتنجيم وغيرها وهذا ما تكشف عنه التقاطات الكوني وإعادة بناء المكان بتفكيكه للمخيال السائد ونبش لبه بقلمه الساحر الذي يعيد إلى الذاكرة الحاضرة قوتها على إنتاج معارف وخبرات وفنون قديمة وان كانت ذات طابع وملامح أدبية إلا أنها تكسب حقل التحليل الفني خصوبة جد مفيدة في بناء التصورات وتفسير اللوحات وصياغة الشروح على ما قد يراه البعض لغزا يصعب حله. إن هذه الكتابات تقدم نفسها كمنتج أدبي استوحى الفنون ذاتها وأعاد لها وهج رسومها التي تماثل لغتنا الحروفية المعاصرة , أنها بحق كتب مصورة تحتاج جهدا إبداعيا لا يصدر إلا عن ابن بيئتها, وهكذا كان الكوني موفقا إلى ابعد الحدود ما استدعى دهشة من اطلع على نتاجه من زاوية تأريخ الفنون بمنطقة الحزام الصحراوي بشمال الإفريقي فكان ولا بد أن تترجم أعماله وتضم إلى القائمة العالمية لمراجع الفن الصخري القديم.

Al-Koni, Ibrahim 2005 ‘Anubis: A Desert Novel’

Al-Koni, Ibrahim 2003 ‘The Bleeding of the Stone’

image

image

*شعوبا تزينت بالريش *

وغيرهم . حتى إن قراءة هذه النصوص المصورة أسست لنظريات انثروبولجية جديدة بخصوص الهجرات والتدافع البشري ومهد الإنسان الأول ذاته فقدم جرزيوري نظريته عن الهجرات التي انطلقت من ليبيا لأجناس عدة تشظت عن الجنس الليبي الأصيل باتجاهات البوصلة الرئيسية منذ الألف العاشرة قبل الميلاد وهي أخر مرحلة للجفاف لازلنا نتربع وسطها إلى يومنا هذا. من هذه الهجرات الرئيسية هجرتان يرجح أنهما حملتا جينات ثقافية من الجسد الليبي هما الهجرة الشرقية باتجاه النيل عقب جفافه وتشكل ضفافه والهجرة الشمالية والتي توجهت نحو أوربا ويعتقد أن أجناسا أوربية عدة قد تولدت عنها.هذه الهجرات لا ينظر إليها كحراك بشري فقط بل إن ما يعرف بنظرية الانتشار الحضاري التي أسس لها العالمان الانثربولجيان مورغان وتايلور تؤكد على القيمة الثقافية والفنية والدينية لهذه الهجرات وبالتالي انتشار قيم وطقوس وعبادات وأساليب فنية وممارسات تتصل بالروحانيات كالكهانة والسحر ومنها على سبيل المثال ما قيل عن انتقال الدوريدية من ليبيا إلى الجزر البريطانية وأيضا يلحظ الدارسون الاتنوغرافييون والانثروبولجيون باهتمام كبير حجم التشابه الكبير مابين عادات وطقوس وحتى الملابس وبعض المأكولات مابين الليبيين والهنود الحمر,

إنها بحق تساؤلات مهمة أتت من مراحل التكوين الأولى ينبغي أخذها بعين الاعتبار كونها تنشط الرغبة بالبحث عن الأجوبة في سياق شامل لقاعدة كلية أثبتت صحتها تقول إن البشرية كما كان خروجها من رحم واحدة إنها أيضا حملت بدايات معارف وفنون وديانات من مخزن واحد وأنها ظلت تؤثر وتتأثر ببعضها البعض والى يومنا هذا.

ففي عصر انجلو انطلقت حمى الاسترجاع للتراث الميثولوجي الكلاسيكي ودمجه بمفاهيم وطقوس المسيحية الناهضة بزخم الكنيسة المستحكمة في كل شيء فبإرادة بابوية سامية شرع الباب أمام فناني العصر ومنحوا إقطاعيات واسعة المساحة, ومنهم انجلو النحات والرسام لتفريغ مفردات دينية وحكايات وأساطير على جدران وقباب المباني الفخيمة ببذخ تزييني مفرط التجسيم ومانح للبهجة الروحية يسلب لب الناظرين . هنا كان الحظ لصالح العرافة الليبية لتستقر بها الرحلة كأيقونة ملونة ببعث جديد على لوح جصي ( الفريسكو أو ما يعرف بفن الرسم بالجص على الجدران ) مبهج صنعته مخيلة انجلو بمهارته المازجة بين دقة التوظيف وإعادة إنتاج الأشكال الأسطورية بجمالية باذخة تستحوذ على جاذبية طاغية واستيلاد شعوري لما وراء البصري الغير معتاد كأسلوب تزيني للمساحات الضخمة.

clip_image038

لقطة نادرة لكامل السقف بكنيسة سيستين حيث رسمت العرافة الليبية

الشكل العام يتخذ وضع الجلوس المتحفز لعملا ما . فالحركة تسيطر وتستبد بالشكل رغم جلوسه انه انهمار حركي متدفق بالحياة، تبدو فيه العرافة بعرض لأكتافها الرائعة, واذرعها الضاجة بالقوة بتفاصيل عضلاتها وهي تمتد بقوة. برأسها الرائعة في نظرة نصفية تميل لنيل نظرة الثلاث أرباع وبعينين شبه مغمضتين أتت العرافة من طقسها تتأمل لحظتها وتغيب في آن. ضفيرة ذهبية مكتنزة برزت من غطاء الرأس الأبيض الذي أضفى على وجهها ملمحا محتشما فيما خبأت شعرها الغزير بلفه مكورا أسفل الرأس . يقدم القوام الملتف على محور الجسد صورة مثلى للمشهد حركيا وجماليا ويتناغم مع أطراف الجسد الأخرى. مستندة بطرف القدم تلامس الأصابع مرتكزها حافة الأرض وقدمها الأخرى ترفعها من فوق صندوق معلنة عن رشاقة في الانتقال ما بين القدم الأولى والثانية, فيما يكشف الثوب الشفيف عن ساقين من رخام أشبعت ولا شك هيام مايكل انجلوا بالحجر الأبيض الذي يهمس له أن تعال وانحت الجمال بأزميلك السحري.

إنها تضع جانبا الكتاب المفتوح كما لو كانت على وشك إقفاله. وهو كبير الحجم أرهقها حمله والذي يبدو انه كان يحتوي على جميع النبوءات.

الشكل العام نفذ بأسلوب ممتاز للغاية وملون بطريقة غير معتادة فالسطوح الخارجية بثناياها ذات الصبغات الذهبية كانت لها الغلبة في اللباس تغشى ملبسا رقيقا وشفافا أخذ لون السلمون الوردي : الحكمة الذهبية جاءت من نوع معين من المعرفة. هنا كما في أي مكان آخر ،المعجزة الفنية تتمثل في الدمج الاستثنائي للمؤثرات الموحية حصل مع البرودة،في أسلوب الرسم الجداري في الهواء الطلق ، والتي قد لا تعطي من المزايا والإمكانيات المادية للألوان الزيتية.

إن هذا الشكل يقدم لنا نموذجا لسيدة نبيلة أكثر منه لعرافة أو رسولة إلهية ، وعلى العكس من نظيره ذي الملمح العابس لإرميا.فالابتسامة الغافية والسرحان هي بطريقة أخرى تخفف ذلك الابتعاد.

إنها بحق تقدم لنا صورة ملهمة لتصوراتنا الضالة عن حقيقة العرافة وطقوس الكهانة لترشدنا عبر مشهد كهذا إلى الدرب الذي عبره مايكل انجلوا ليصل إلى قدسا طوقته ضبابية السرية منذ زمن الإغريق والرومان فانتزعه م من جدران الكلمات والنصوص والمخيال القديم مجسدا صورته في زمن الكنيسة ورابطا بين الكهانة الوثنية باكليروس المسيحية الذي راقه أن يوظف فن الرسم لصناعة فنه الخاص آلا وهو فن الإيقونة والفريسكو ذي المسحة الثيوقراطية بعد أن استمد جذره في موضوعات وشخوص الميثولوجيا القديمة وأعاد صوغه كمكون جمالي تعبدي تزييني لتهذيب المشاعر بفيوضات الجمال ومخاطبة النفوس التائقة بشغف عبر لغة السرد الملون لملامسة الإعجاز السماوي وأيضا للتبشير عبر الحقيقة المصورة.

لاحظ صفة الليبية التي دونها مايكل انجلو أسفل العرافة

تمييزا لها عن باقي العرافات التي رسمها كما في اللوحة الأخيرة

حسب الترتيب

image

clip_image042

clip_image044

نموذج تشريحي للعضلات والجسد والحركة التي تعتريهما

مخطوط أولي للعمل للعرافة الليبية

clip_image046

شريط العرافات بالسقف : في الطرف الأيمن العرافة الدلفية وفي الطرف الأيسر العرافة الليبية

الأساطير اليونانية والرومانية القديمة ( الكهانة التنبؤية )

العرافة - اسم لواحدة من الكاهنات التي كانت مسئولة التعريف بكهانة الوحي المرتبطة بأبوللو. كان هناك عدد كبير من الأساطير المتعلقة بالعرافة أو العرافات. في التقاليد المسيحية هناك اثنا عشر من العرافات والتي قبلت بوصفهن نبيات يعلن عن الولادة المقدسة للرضيع ( المسيح). أسمائهن تدل على مكان أصلهن ؛ وهن عادة ما يظهرن يحملن كتاب ، وإن كان لكل واحدة منهن رموزها الخاصة بها.
العرافة الليبية تنتمي بأصلها الميثولوجي إلى ليبيا حيث أقام ابولو مدينته للحورية قوريني ودور العرافة هنا أنها هي التي صاغت نبوءة التأسيس من موحى دلفي اكبر مستقبلات الوحي في العالم اليوناني القديم ومن هناك تسلم الثيرانيون سكان جزيرة ثيرا اليونانية ( سانتورين الآن )دعوة ومباركة ابولو لهم بالهجرة واستعمار قورينا بقيادة الشاب باثوس مؤسس الأسرة الباثية الملكية التي حكمت قورينا.

هنا نلحظ تمييزا مهما وضعه انجلو فأسفل العرافة الليبية وضع صفة الليبية كتابة, ولكنه تحت عرافة دلفي وضع صفة الدلفية . فهل كان انجلو يقصد أنهما مختلفتان أم أنهما واحد , فهل ما فعلته عرافة دلفي التي تلت نص نبوءة مجيء الإغريق إلى ليبيا قد صيرها ليبية؟ أم انه يتحدث عن عرافة ليبية من ميثولوجيا إغريق قورينا تستمد أصولها من الكهنوت الليبيواغريقي؟

في كلتا الحالتين فان نسبا ليبيا يلحق بالعرافتين من جهة موحى دلفي المرتبط بالاستقرار الإغريقي وأيضا لما اشتهرت به ليبيا من كونها واحدة من حضارات العالم القديم التي صدرت الكثير من الديانات الأرضية إلى مصر القديمة واليونان وأنها ظلت براحا نشطا بالسحر والكهانة والطقوس . كما أنها كانت عند الإغريق مسرحا حيويا للكثير من أساطيرهم كقصة هيراقليز وتفاحاته الذهبية وقصة الجورجون ميدوزا ونهر الليثي الأسطوري ومجيء البطل بيرسيوس ووصول اوديسيوس الى جزيرة مينلاوس الليبية شرق درنة وقدوم ابولو للزواج بحورية قورينا وأن الإغريق عبدوا أثينا وزينوا أثوابها كما عرفوها من الليبيين بل إن ليبيا ذاتها كانت اسما لإلهة تعبد.

clip_image048

هذا العمل الذي نفذه مايكل انجلو على نماذج جصيه

يرقد تحت سقف مصلى كنيسة سيستين

Michelangelo frescoes in Sistine Chapel

image هذه لوحة العرافة الدلفية أي المنسوبة لموحى دلفي تمييزا لها

عن العرافة الليبية

هكذا فعل انجلو

Michelangelo. The Sibyl of Delphi. 1508-1512. Fresco. Sistine Chapel, Vatican.

clip_image052

أهم مواقع الفن الصخري بالعالم في الخاصرة الجنوبية لليبيا

image

الحبيب الأمين

نشر بموقع جيل بتاريخ 16-8-2008

http://www.jeel-libya.net/show_article.php?section=5&id=8370

->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art