الخميس، نوفمبر 12، 2009

أحلام مسرجة :-; حمار الأمس ومضامير خاوية !


"إنني أحلم على كلمات ,, هذا كل ما في الأمر "
سارتر/ الغثيان


34Gazell

استلقيت على ظهر الجواد,,, أنا أطلب الأمام والجواد يرفس الأرض متحفزا للانطلاق.
فجأة كل شيء توقف وعاد إلى طبيعته .. اللجام مشدود والجواد يصهل بقوة .. غبار من سقطوا ورائي يرسم الخلفية التي
لا أراها.. فأمامي رؤيا تستبد بخواطري وتشدني نحوها ,, كنت في حالة مفاضلة وفضول أعمق من رغبة واحتواء لغيرها
كنت ساهما نحو الفضاء الممدود تشقه غمامه خيول مطوقة بالنجوم ,, حيال هذا المشهد الخاطف كنت بمعزل عن أي صخب
ستقترفه التفاتة بليدة لفارس ترجل وفرس فرت من عار فارسها تاركة سرجها للكلاب تنهش جلده وتلعق جراءها رائحة
غريبة عالقة به
هكذا نقش حلم الليلة حكايته ورسم صوره بوسادتي الصغيرة..

مرات ومرات كنت على اتصال بذاكراتي الغضة " أنا الفارس الصغير " ,, ينقطع التخاطر ويعود بقوة ,, يبث بستارة العتمة
المتهدلة من حولي صوره كومضات البرق,,هنا كنت أراهم يصولون ,, هناك كانوا يتسابقون بشرف وندية وبين بينهم كانت
رغبات هائجة وأحلام بكر تنظر لهم بثقة وإعجاب !,كما كنت افعل بالضبط وأنا أتابعهم بلذة صبي يتمازج الواقع والخيال بكفيه المخضبتين بالتراب وبأصابعه الطرية يرسم فرسه بلون عباءة أبيه الحمراءمن تحت عسس الأطيان والبساتين تبدو كتيبة
الصبار كمرقب لي وملاذ آمن .. من هناك كنت أطاول المشهد الملحمي كخرافات الشتاء بحجر جدتي عن فرسان زمانها
الموغل في النبالة والبطولة ,,,كانت أمنياتي تهتف لهم ألا يتوقفوا عن السباق والجري
وكم كنت أعاني من الحسرة والفشل كلما غادروا السانية الكبيرة وتركوني وحيدا وسط غبارهم الكثيف
برغبة كامنة وغواية جامحة أستحيل طفل دون لعبة ,, فارسا دون جواد يرمق ميدان السباق بعد أن داهمه الصمت فلا تسمع إلا
رجع الثغاء والغروب يطوي أطراف النهار .. اجمع ما تبقى لي من حماسة وفرح ..أغادر المكان مقتفيا خط سير قطيع الأغنام
العائد من مرعاه متدليا بخطاي على مسرب مهدود
في منتصف كل النهار أعاود الكرة مع جديد .. فالحياة في تلك السويعات المتخاصرة بالزمن تؤوب لأعشاشها ويلزم الناس
بيوتهم فلا يبق بالخارج إلا الكلاب تحصي أعدادها مستعدة للعراك حول ما ستطرحه الأبواب من بقايا الطعام إنه مهرجان
للنباح والعواء قلما يفوتني مع باقي الصبية المتملصين من قبضة الحجر عليهم مخافة الشمس وحكاية عجوز القائلة
المرعبة التي تؤسطر الرهاب وتمنحه زينة الفضول والشك معا
ما أن ينفض محفل الذيول أتسلل وحيدا إلى ما وراء الأصداء باحثا عن ملهاتي المفضلة وأبادر إلى شيطنة الوقت والمكان
ثمة ما يجول بالفراغ وينبغي ملئه بالحيوية والمتعة أيضا
يخلو المكان لمغامرة جديدة قديمة أمارسها بعيدا عن آخرين تروقهم ملاعب أخرى وهوايات لا تعجبني ..أطلق ساقي للريح
لأخذ فرصة السبق بالحصول على ظهر حمار شاغرة من أطراف المزارع المجاورة أو من عند البئر الكبيرة حيث ترتع الحمير والخيول تحت ظلال الزيتون وتتنعم بالتراب المبلول لتتمرغ فيه وهي تقضي قيلولتها بعد داوم الحمل والجر والسفر في حكومة الآدميين ,, من هناك أتفحص المجموعة بعين سمسار بهائم أو فارس مغوار فاختار حمارا أما الجياد رغم طموحي الجامح
حيالها إلا إنني بواقعية وحسن تقدير لطولي وقوتي كنت أراها عالية ويصعب ترويضها وإخضاعها في دقائق لقوانين لعبتي
كما أن أصحابها عادة ما يراقبونها عن بعد تحسبا لسرقتها من جوالة القائلة مثلي أو خوفا من عراكها وما سينتج عنه من
جروح ودماء ..فالجياد زينة لهم أما الحمير فركوبة ومطايا أحمال لا سؤال ولا خوف عليها ..
أتحايل على خياري المفضل " المطية المقترحة " ببعض التبن من حصة أكثر الجياد طعاما وأشرسها خصاما - " أدبا له وربما
كتطبيق مبكر لخصال تربيت عليها أدميا أراهن على نجاحها بين الأنعام كحسن التوزيع والعدل للجميع " - وأقربه منه حتى
يأنس لي ثم آجره بهدوء وصبر عادة ما يستهلك هذا الأمر من الوقت أكثر مما يستحق
أخيرا اضبط وقفته بجوار الحافة الأعلى من حوض الشرب وأمتطيه بقفزة واحدة صحيحة بعد عشر خيبات أو أكثر وفي
كل مرة أعاود التمني بأن لا يفر من تحتي لأجد نفسي كديك مبلول بحوض شربت منه كل الكائنات والدواب قلما يحدث هذا
ولكن حظي الطيب لا يكشفني على غير الدجاج فلا يراني بتلك الصورة غيره
بعد أن امنح حماري بطاقة هويته المزيفة أتحالف مع شعوري المزيف وأعلن لنفسي إنني الآن على ظهر جواد افتراضي
مجبرا الحمار على القبول بكل ما وضعته فيه من صفات الحصان ومطالبا إياه بمعايشة طباعه الجديدة والتماهي مع الحالة
بقبول مضاعف.. لكنه غالبا ما يفضحني عند أول حمارة شاردة عن صاحبها أو فارة من عصاه تتسكع بين الحقول والظلال
ليرفع حماري البطل رايات الشهامة وأشياء أخرى مطلقا غرامه بلغته الطويلة النوتة ونهيقه الفصيح ,, لكنه في سكرة الحب
ونشوة البوح تلك يكتشف بحرقة قصة وجودي فوقه متشبث بعنقه كراهب قزم وثقيل التصق به وهو في ساعة هيام يروم فيها
التخفف من كل شيء ,,,,لا يطول تفكيره الغرائزي فسريعا ما يقذف بي بعيدا عن شبقه
قفزة أو اثنتان كانت كافية لإسقاطي في سلة الأشواك عند طابية الطين بين كفوف الصبار العريضةوراء تلة التبن كنت أدس
جريدة خضراء وغصن رمان امتطيها من حين لأخر في حالات عوز الحمار , كي لا يراها الفرسان الكبار فيسخرون من
فروسيتي الحطبية ,, وهذه كانت مرحلة أخرى لتصورات ما بعد الحمار وما قبل الجواد.. اليوم أرى كثيرين لم يتعدوا مرحلة
الحمار ومرحلة الجريدة الخضراء وبعضهم قذفتهم ظهور الجياد ونبذت مؤخراتهم الباردة .فيما تمادى رهط من الفرسان
في إثبات فروسيتهم رغم استحالة توفر مقومات الفروسية لديه فصار دونكيشوتي يبجل ذاته ويصنع من ميادين الغبار معارك
لا يراها أحد وبطولات لا إثبات عليها رغم وفرة ما يستدعي النجدة ويستلزم البطولة بالمواجهة وامتطاء الخطر..
أنها حكاية " الجيلين " حكايتي أنا الصغير فوق حمار الأمس وحكايتنا اليوم مع فرسان الأمس والغد ممن ترجلوا وتواروا وراء
الغبار
فضاع أثرهم وأسرجوا للريح أشباحهم.. فهل يكون ما ورائي أمامي وهل قدر الرجال أن يتساقطوا في أرذل العمر صبيان
عصي ؟؟ " يمتطون جريدة خضراء وبأيديهم سوط من أغصان الرمان "
كانت الهامة حوار دار بخلدي وإلتماعة صور أراها تتبختر في أفق يفتح دروبه لمن سيطرقها بقلب رجل ونزق شاب وجموح
فرس... أنها الحياة لا تنصاع للجام متردد ولا تهدأ لفارس يرتعش ....
من يتصارخون وراء الجياد للمراهنة على فارس مدفوع الثمن ,ربما سينال الجائزة ليس بفضل فروسيته أو لأصالة جواده
إنما هي عزائم الفرسان ممن خاروا أمامه وتساقطوا على المضامير دون جهود تعادل رغبات الجمهور العريض الذي راهن
على صبرهم وطول نفسهم ,, لكنه وان كان في حالة هزال للهتاف لهم وللحاق بهم إلا انه لا يملك لهم غير التصفيق وراء
مدرجات الباطن وإرسال برقيات الدعاء والأماني الطيبة نحو السماء التي لم تسمعهم بعد ,,,, لأن فرسانهم سكروا ليلة توزيع
الإرادة وناموا بحقل الخشخاش ...
قد يكون للضعيف , للغني , للجبان جياد ولكن الفروسية لا تكون إلا لفارس...
فهل ولى زمن الفرسان ؟ هل بطل سحر الجياد ؟ ..
فلنعلم أولادنا ركوب الحمير لعلها تعينهم على ركوب الخيل إذا ما عادت إلينا ووجدتنا..
إننا نرى في الأحلام ببصيرة أكثر مما يصوره بصر الواقع وهذا ما رأيته بحلمي
وأنا لا أتمنى لكم غير أحلام أفضل وواقع أجمل..


->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art