السبت، نوفمبر 07، 2009

عويلة البلاد



















عويلة البلاد

في سوق الظلام كل الباعة تقرفصوا كالصناديق لا يعتنون بشيء غير حك
عيونهم وتلميع نظراتهم السوداء بمناديل الحسرة ,,,
يعصبون ديونهم بأذان الشكوك الرائجة.. ويعاودون فكها ..
كرياضة لأصابعهم التي فارقتها الدنانير ....
خشية إن تسمعهم عجائز الرصيف فينشرن هلوساتهم مع بخورهن الجاوي
وعطورهن الإفريقية بطول الرصيف وعرضه ..
كانوا يهدهدون لأكياسهم الجائعة بخرافات قديمة عن الفرامل المكتنزة
.. " متى نلمح النور بوجه زبون بشوش ودراهم لامعة تمسح الشحوب عن وجوهنا العابسة ؟ " ..
بالحوانيت المعتمة المرتبة بأنبوبة التسوق العفن ..
يبدو نفق الكساد مزدحما بالفراغ
تتبختر في قاعه مجارير البول ورائحة الكبريت وكل الأسعار الملتهبة تحرق وجهة النظرات
بعيون موظفين قطعت جذوعهم من غابة الفقر وتفحمت مرتباتهم بأفران الديون ,,,,
..في جيوب المارة تدندن عراجين الإفلاس للريح " لو كان ريح العون يهديه الله "
,, فلا تسمع إلا مواويل سوق الجريد اليابس .... تقول بتكرار مبحوح
" هبلة تاريك ياعيني " ...

بمنارة سيدي خربيش يجثم الظلام على صدر الفتيل ..
خربش الشعاع على صفحة البحر
فلم يجد قاربا يقرئه..
التفت للبر فنادته مدينة الأحبار بأقلامها
دون على الأفق " بنغازي "..

رغم إن الضريح أخذت الريح تربته وعظامه.
طفرات المجيء لم تخبو لها عادة ,,
والخطوات الوجلة تسجل دقيقة توقف بحساب الصمت
مازالت النظرات تحلق من حوله باحثة عنه
كأنها مأخوذة بمسك يفوح بدوار المرقد ..

في سوق الحشيش لم ينقطع نسل الخبيز والحريق من رحم الخرائب
رغم تنامي ذرية نباتات الظل بشرفات الاسمنت الداكنة .....
في شوكات الزقاق يزرع الشبان كفوفهم بجيوب مفلسة ويغمزون لبنات المدارس
بأقفال ذقونهم وأهات مفتوحة
,,, مترصدين سيارات الدعم المركزي بازدراء مركز أيضا
في الضفة الهرمة من غدير المجاري بضع حوائط مشروخة عن زمن الطين
تضخ بظهور الكهول دفئها العتيق تحقن عيدانهم المحدودبة بمضادات التيبس..
بينما هم يثرثرون عن مرتب الضمان وخارطة الطريق لأحفادهم كيف سيستثمرون
أعمارهم بسوق الحوت ؟ المهدد بالغرق... يرمي أحدهم بصنارته بزقاق راكد بحثا
عن عجوز دافئة تذهب وحشته بعد إن أبحرت عجوزه الأولى إلى شطها الأخير
فرارا من سعاله وصقيع ألفاظه وجنونه الأزرق....

هنا الحياة متهمة بالرتابة والذبول يغتال انبثاق المبادرة.. نعم هي مثقلة بالهموم ,,
نعم هي مغروسة بالملح لكنها تنضح بالتمرد وتهرق العسل بصدر كل من يختارها ,,
هذه الناحية التي انبثقت بين الماء والملح تبنت دربها الممدود ناحية الأزرق
لا تحتاج لعكازين لتذرع مراحل الشلل بالارتقاء نحو جبال الأمواج وهدير البحر
لكنها تستعذب سخريتها من كل العابرين ,, لازالت طبقات العمران البكر وقطرات العرق الأولى
مقروءة على جباه العقود ومداميك الجدران وعلى كل الملاعب لم ينزل غبار اعويلة البلاد
إلا احتراما للمطر ..

في صلاته الأخيرة بالجامع العتيق
دعا شاهبندر التجار ربه .. " اللهم اغفر لي اللهم سامحني " ..
فمنذ سنوات وأنا أحسد غبطة واضطرارا جاري الاسكافي وصبيان " البراويط "
بعد أيام من دفنه ....
توفي الاسكافي ودفن بجوار الشاهبندر بعد إن ترك مهنته لسبعة من أولاده
يخرزون أحذية صبيان " البروايط " ويلمعون أحذية الحرس البلدي ..
بعد سنوات شوهد ابن شاهبندر التجار مقعدا يتسول المصلين بباب الجامع
ينتظر مرور بروايط البطيخ ورهط الخضرية من جماعة " معانا .. معانا "
سأله الشيخ ماذا حدث لك ؟ ... منذ زمن لم أراك ؟
رد الشاب :
فقدت ذراعي وأنا أقامر بعلب النار" الجلاطينة " على مائدة البحر ..
لن أكون اسكافي أبدا.. أنا كسيح وحافي لا أحتاج لحذاء أو مخرز,,,,
أنا لا تلزمني حتى " برويطة " ...
ماذا عن الغائب ؟
وصلتنا رسالة موته وتابوت نقود مؤجل الاستلام والسداد إلا بعد دفن القضية.
لكنهم لم يأتوا لنا بما يستحق دموع أمي وحسرة أبي..
ماذا عن باقي أخوتك ؟
يبيعون الحشيش ويأكلون الحشيش ولا ينطحون أحد ..


الحبيب الأمين
->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art