الأحد، مايو 23، 2010

إليك يا أبا القاسم

إلى الشاعر والكاتب الراحل أبو القاسم المزداوي – 21 . 5 . 2010

 

الشاعر الراحل أبو القاسم المزداوي

 

 

 

 

apacheZ

 

 

 

كلما طارت إلى " هناء الروح "

ريشة ,,,

حط في " هنا الجسد "

حزن يرف ...

كلما فارقنا في الغيم جناح ...

توسدنا الغصون حزانى

نستدفئ ريشات صديق ,,,

" كان للريح يبتسم " .....

 

 

 

المظلة

 

 

 

 

.. أيها المأخوذ بالمطر والسحب البعيدة ..

مازال فيك من أيام الغدير ,,

أهازيج البرد وزغاريد الرذاذ ,,,,

" من مزدة " – أتيت

على بساط الشعر الرطيب ,,

بأصابعك مناداة ربيع ..

في وجهك ابتسامات المظلة وزجل الطفولة

" يا مطر صبي صبي " ..

غادرت النواحي الأربعة ,

رحلتك البلل وبوصلة بكفك ترسو ,,

مداها الشفاه ..

" غيث قريب "

... ابتسموا..

 

 

 

 

 

نغمة في العتمة

->إقراء المزيد...

الاثنين، مايو 17، 2010

"أفاتار" في مواجهة اعتراضات الجميع ... نديم جرجورة

avatar_film

أثار «أفاتار» لجيمس كاميرون سجالات كثيرة في أصقاع الدنيا كلّها. السياسة حاضرة في النقاش. الأفكار والحضارات والبيئة أيضاً. من دون تناسي التفوّق التقني غير المسبوق. الأرباح المالية، البالغة نحو ملياري دولار أميركي في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة في العالم، دفعت كثيرين إلى الشعور بالحسد والغبن. إلى قراءة الظاهرة من خارج السينما.


المجلة الفرنسية السينمائية «استديو سيني لايف» نشرت، في عددها الصادر في نيسان الجاري ( 2010 ) ، تحقيقاً حول هذه السجالات كلّها، بعنوان «عمّا سيُغيّره «أفاتار» في هوليوود»، بقلم دوني روسّانو.


بدأ التحقيق بطرح سؤالين اثنين: «ما الذي يحوّل فيلماً إلى ظاهرة مجتمعية؟ وانطلاقاً من أي لحظة، يُصبح نتاجٌ فني رمزاً لعصره؟». رأى التحقيق أن «أفاتار» انتصارٌ كوكبي هائلٌ، لكن ليس سبّاقاً في هذا المجال: «إذا أخذنا في الحسبان التضخّم المالي، فإن فيلم جيمس كاميرون، بالمفردات المالية (الإيرادات)، ليس النجاح الأكبر في الأوقات كلّها». ذلك أن هذا اللقب (النجاح الأكبر) يبقى، أيضاً ودائماً، حكراً على «ذهب مع الريح» (1939) لفيكتور فليمينغ، و«أفاتار» يحتلّ المرتبة السابعة عشرة. أما إذا حُسِب رقم البطاقات المُباعة، فإن «أفاتار» يحتلّ المرتبة السادسة والعشرين: «هذه الحقائق تُنهك، قليلاً، الحالة الاعتدادية الحالية للفيلم، لكنها لا تمنع هذه المشهدية ذات الإنتاج الضخم من أن تكون، اليوم، أكثر بكثير من مجرّد فيلم ناجح».


هناك من يرى أن «أفاتار» بات «رمزاً لمقاومة الضغط غير القابل للتصديق في سينما أميركية تمرّ في فترة أزمة اقتصادية، حاملة راية الاحتمالات الخرافية، المُقدَّمة إلى السينمائيين على مخطّط الخلق الصافي». اتّخذ «أفاتار»، هو أيضاً، بُعداً غير متوقَّع: بإثارته نقاشات سياسية واجتماعية وثقافية وفلسفية، بات الفيلم «نوعاً من تجسيد موح بدهشة للأحلام ولطموحات مجتمعنا ولاوعينا الجماعي، ومخاوفهما». بهذا المعنى، فإن «أفاتار» ظاهرة خارج المعايير، إلى درجة أنه لا يُمكن لأي فيلم حالي آخر أن يُقارَن به: «(يجب ألا يُنسى) واقع أن جيمس كاميرون، للمرّة الثانية في مسيرته المهنية، وصل إلى لحظة بات يطفو معها في هواء الزمن. لذا، يستحق أن يُكرّم». لكن هناك أمرا آخر غير النجاح التجاري الكبير لـ«أفاتار»: إنه النقاش الذي حرّض الفيلم عليه في دوائر مغلقة، عادة، في هوليوود، وهو نقاش «كشف عمق أثره».

james cameron directing

James Cameron


في الأوساط الهوليوودية، جيمس كاميرون مثيرٌ للإعجاب، محسود ومكروه. في الواقع، هناك كثيرون لا يزالون حاقدين على تعبيره: «أنا ملك العالم!»، الذي أعلنه إثر فوزه بجوائز «أوسكار» عدّة عن «تايتانيك» في العام 1997: «مكروهٌ بسبب مزاجه الصعب. والتصوير الكابوسي لـ«هاوية» (1989) لا يزال مشهوراً. سخروا منه بسبب سيناريوهاته المليئة بالكليشيهات. لكن الجميع يُقدّره، لأنه يصوّر مشاهد متفرّدة تؤدّي إلى أرباح، ونجاح «أفاتار» ليس نجاح استديو أو نظام، بل نجاحه الشخصي. بهذا المعنى، كاميرون هو الرابح الأكبر في التحدّي الذي فرضته مغامرة هذا الفيلم. ليس فقط يُثبت المخرج مرّة أخرى بعد «تايتانيك» أن خياله متصل بما يريد العالم كلّه مشاهدته في السينما، لكن، بابتكاره عالماً لا يُشبه أي شيء آخر باستثناء كوكب باندورا، فجّر موهبته كمبدع رؤيوي». أكثر من ذلك، ومع هذا النجاح الهائل، أكّد كاميرون أنه مؤلّف مستقلّ بحدّ ذاته، «لافت للانتباه لإصراره على صنع الفيلم الموجود في رأسه منذ سنوات، ولرفضه تدخّل أي استديو في السياق الإبداعي. نجاح كاميرون أصبح، بالتالي، النجاح الذي يطمح إليه كل سينمائي حالم بهوليوود، لا يريد أن يكون سجين ضغوط الاستديوهات. نجح المخرج (وهو) داخل النظام الهوليوودي، من دون أن يلويه النظام نفسه: عمل باهر، نادر، ونموذجيّ». ثم إن «فوكس للقرن العشرين»، مُنتجة الفيلم وموزّعته، سعت إلى إقناع المخرج بحذف رسالته حول البيئة. لكن المخرج رفض: «هذا (الرسالة البيئية) سبب إنجازي الفيلم». ناضل كاميرون، حتى النهاية، كي يبقى فيلمه أميناً لرؤيته الداخلية: بهذا المعنى، يُمكن القول إن نجاح «أفاتار» نجاح صاحبه في هوليوود.

avatar 2009 movie-wide


إذا صرّ البعض أسنانه أمام ما يعنيه رنين نجاح «أفاتار» بالنسبة إلى جيمس كاميرون شخصياً، فإن الجميع في هوليوود يُدرك جيداً أن تأثير السينما الأميركية إيجابي للغاية: «نجاحٌ بهذا الاتساع خيِّرٌ للصناعة كلّها. هناك الخطوة التكنولوجية الكبيرة إلى الأمام التي قدّمها الفيلم، بتحقيقها تحوّلاً حقيقياً شبيهاً بالتحوّل الذي صنعه دخول الكلام إلى الأفلام في العام 1927، والـ«تكنيكولور» في العام 1935، و«سينماسكوب» في العام 1953. وبفضل «أفاتار»، باتت تقنية الأبعاد الثلاثة أولوية بالنسبة إلى الاستديوهات، من «وارنر» (صدمة التيتان، هاري بوتر 7) إلى «سوني» (الرجل العنكبوت 4)». أضاف التحقيق أن هناك أكثر من عشرين فيلماً ستُنجز بهذا الشكل في العام الجاري: «لغاية كانون الأول المقبل، يُفترض بثلث الصالات الأميركية أن تتجهّز بأنظمة عرض ثلاثية الأبعاد. ما فعله «مغنّي الجاز» (1927) لآلان كروسلاند على مستوى الأفلام الناطقة، يصنعه «أفاتار» على مستوى تقنية الأبعاد الثلاثة. فالابتكارات التقنية التي تخيّلها كاميرون وأعضاء فريقه لوضع عالم باندورا في إطار بصري هي، حرفياً ومن دون تلاعب في الكلمات، «علبة باندورا». ثم إن كون التقنيات في هذا الفيلم موضوعة في خدمة النصّ، فهذا أشبه بوضع الكرز على طبق الحلوى. إنه درس يجب على سينمائيين عديدين أن يحفظوه».


كما هي الحال غالباً، عندما يحظى أمرٌ ما أو شخصٌ معيّن بنجاح خارق، تعلو أصواتٌ نقيضة ومزعجة. هذه الأصوات هي التي أثارت نقاشاً حول الفيلم، والتي حوّلت نجاحاً تجارياً إلى شيء آخر: «ظاهرة مجتمع». جاء في تحقيق دوني روسّانو أن المحافظين الأميركيين، المتأهبّين دائماً للحرب، هم الذين أطلقوا الحملة: «سريعاً، وجدوا في الفيلم استعارة نقدية للحرب في العراق، ورسالة هجاء مناهضة للعسكرية وللأميركية»، ناقلاً عن جون بودوريتز (ويكلي ستاندارد)، رأيه المتمثّل بأن الفيلم طلب من المُشاهد «الموافقة على هزيمة الجنود الأميركيين إزاء فتنة مسلّحة»، وعن آرموند وايت (نيويورك برس) قوله: «عندما يدمِّر العسكريون شجرة الروح، يُذكّر الفيلم باعتداء الحادي عشر من أيلول. هذه المصوّرات تبدو كأنها تقول إن «المركز العالمي للتجارة» كان معبد الرأسمالية الأميركية». أضاف التحقيق أن اليمين الأميركي انفجر مهدِّداً. أما كاميرون، فلا ينفي شيئاً، بل على العكس: «بصفتي فناناً، شعرتُ بالحاجة إلى قول شيء ما متعلّق بما يحدث حولي». الجدل، من ناحية أخرى، يُسلّيه: «لنقل إني مفتون بإزعاج هؤلاء الناس. رؤيتهم العالم لا تعجبني». لكن كاميرون يُدافع عن نفسه إزاء تهمة العداء للحسّ الأميركي، ويُذكّر: «أن يكون المرء أميركياً، يعني أن تكون لديه حرية التعبير عن أفكار رافضة».

james-cameron-avatar


الحرب الثقافية والفكرية التي حرّض «أفاتار» عليها، كما وصفت تفسيرات عدّة هذه المسألة، لا تقف هنا: اتُّهم الفيلم من قِبَل النسويين بأنه معاد للنساء، ومن قِبَل الليبراليين بأنه مُدافع عن أفكار أبوية حول العلاقة بين الرجل الأبيض والقبائل الأهلية، ومن قِبَل الجمعيات المناهضة للتدخين بأنه رقّى السيجارة، ومن قِبَل الفاتيكان بأنه مجَّد عبادة جديدة للأصنام خطرة، ومن قِبَل «نيويورك تايمز» بكونه «أحدياً» (القائل بوحدة الوجود، أو ذو علاقة بمذهب وحدة الوجود: أي إن الله والطبيعة شيء واحد، والكون المادي والإنسان ليسا إلاّ مظاهر للذات الإلهية)، ومن قِبَل السينافيليين بأنه نسخ «بوكاهونتاس» (1995) لمايك غابرييل وإيريك غولدبيرغ و«مغامرات زاك وكريستا في الغابة الاستوائية في فيرنغولّي» (2002) لبل كروير، ومن قِبَل الروس بأنه نهب القصص الأكثر مبيعاً، الصادرة في الستينيات، والتي تدور أحداثها في كوكب باندورا حيث تُقيم عشيرة «ناف». أما السلطات الصينية، فارتأت عرض فيلم عن كونفوشيوس بديلاً من عرض 1600 نسخة من «أفاتار»، لأنه تماهى بأحد الرموز الأسطورية الخاصّة بالصين.

عن السفير اللبنانية ونشر أيضا بموقع نقطة ضوء

http://www.n-dawa.com/articles.php?cat=9&id=307

->إقراء المزيد...

الأحد، مايو 16، 2010

محمود درويش : يتحدث عن المنفى " الداخلي والخارجي "

نقلا عن مجلة الغد الأردنية.

2008-10-05_142210_NR

> في البدء كان الرحيل وفي البدء كان الوطن <

للمنفى أسماء كثيرة .المنفى الداخلي هو غُرْبَة المرء عن مجتمعه وثقافته، وتأمُلّ عميق في الذات، بسبب اختلاف منظوره عن العالم وعن معنى وجوده عن منظور الآخرين، لذلك يشعر بأنه مختلف وغريب، وهنا، لا تكون للمنفى حدود مكانية. إنّه مقيم في الذات المحرومة من حريتها الشخصية في التفكير والتعبير، بسبب إكراه السّلطة السياسية أو سلطة التقاليد. يحدث هذا في المكان المضادّ، تعريفاً للمنفى. يحدث هذا داخل الوطن.

المنفيّ هو اللامُنتَمي بامتياز. لا ينتمي إلى أي مكان خارج ذاكرته الأولى. تصبح الذاكرة بلاداً وهُوية، وتتحوّل محتوياتُ الذاكرة إلى معبودات. وهكذا يضخّم المنفيُّ جماليات بلاده ويُضفي عليها صفات الفردوس المفقود. وحيث ينظر إلى التاريخ بغضب لا يتساءل: هل أنا ابنُ التاريخ، أم ضحيّته فقط؟.

يحدث ذلك عندما يكون المنفى إجباريّاً، بسبب الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الاضطهاد السياسي أو الاحتلال أو التطهير العرقي.

clip_image002

وهناك منفي اختياريّ، حيث يبحث المنفيُّ عن شروط حياة أخرى.. عن أفق جديد. أو عن حالة من العزلة والتأمل في الأعالي والأقاصي، واختبار قدرة الذات على المغامرة والخروج من ذاتها إلى المجهول، والانخراط في التجربة الإنسانية، باعتبار الوجود الإنساني كلّه شكلاً من أشكال المنفى، منذ أن عوقبنا نحن أحفاد حواء وآدم بالتاريخ!

وهناك أدباء اختاروا المنفى لتكون المسافة بينهم وبين ماضيهم مرآةً لرؤية أوضح لأنفسهم وأمكنتهم. وهناك أُدباء، اختاروا المنفى اللغويّ بحثاً عن حضور أكبر في ثقافات اللغات الأكثر انتشاراً.. أو للانتقام من السيّد بلغته السائدة.

وهناك أدباء لم يجدوا مكاناً أفضل من المنفى للدمج بين غربتهم الذاتية وغربة الإنسان المعاصر، فاخترعوا المنفى للتعبير عن الضياع البشري. وأقنعونا أيضاً بأن أدب المنفى عابر للحدود الثقافية، وقادر على صهر التجربة الإنسانية في بوتقة واحدة تعبيراً عن تفاعل الثقافات. ودفعونا إلى التساؤل من جديد عن مفهوم "الأدب الوطني" وعن مفهوم "الأدب العالمي" في آن واحد. هؤلاء الأدباء ألغوا الحدود، وانتصروا على خطر المنفى، وأثروا هُويتهم الثقافية بتعدُّديّة المكونات.

لكن، إذا كان الحظّ قد حالف مواهب هؤلاء الأدباء، ووفر لهم طريقة لتطوير التجارب الأدبية الإنسانية، فإن الأمر لا ينطبق على جميع المنفيّين، فليسوا كلّهم كتاباً.

لذلك، ليس من حقّ الكاتب أن ينسى البؤس والآلام والكوارث التي يعيش فيها الملايين من اللاجئين والمنفيّين والمُهجّرين والمشرّدين، المحرومين من حق العودة إلى بلادهم من ناحية، والمحرومين من حقوق المواطنة في البلدان التي يُقيمون فيها، من ناحية أخرى. إنهم بَشَرٌ عائمون مُهمّشون، مُقْتَلعون… لا يستطيعون النظر إلى أمام، لأنّ المستقبل يُخيفهم. ولا يستطيعون العودة إلى وراء لأن الماضي يبتعد. إنهم يدورون حول حاضرهم دون أن يجدوه، في ضواحي البؤس الخالية من الرحمة والأمل.

غياب الحرية منفى، وغياب السلام منفى. ليس المنفى دائما طريقاً أو سفراً. إنّه انسدادُ الأفق بالضباب الكثيف. فلا شيء يُبشّرنا بأن الأمل ليس داءً لن نشفى منه. نحن نُولَدُ في منفى، ويولد فينا المنفى. ولا يُعَزّينا أن يُقال إن أرض البشر كُلّها منفى، لكي نضع منفانا في مَقُولةٍ أدبية.

منذ طفولتي عشتُ تجربة المنفى في الوطن، وعشت تجربة المنفى الخارجي. وصرت لاجئاً في بلادي وخارجها. وعشت تجربة السجن. السجن أيضا منفى. في المنفى الداخلي حاولتُ أن أحرّر نفسي بالكلمات. وفي المنفى الخارجي حاولتُ أن أحقّق عودتي بالكلمات. صارت الكلمات طريقاً وجسراً، وربما مكان إقامة. وحين عُدْتُ، مجازاً، كان المنفى الخارجي يختلط مع المنفى الداخلي، لا لأنه صار جزءاً من تكويني الشعري، بل لأنه كان كذلك واقعيّاً.

لم تكن المسافة بين المنفى الداخليّ والخارجيّ مرْئيّة تماماً. في المنفى الخارجي أدركت كم أنا قريب من البعيد.. كم أن "هنا" هي "هناك"، وكم أن "هناك" هي "هنا". لم يعد أيُّ شيء عامّاً من فرط ما يمسُّ الشخصي. ولم أعرف أيّنا هو المهاجر: نحن أم الوطن. لأن الوطن فينا، بتفاصيل مشهده الطبيعي، تتطوّر صورته بمفهوم نقيضه المنفى. من هنا، سَيُفَسّر كل شيء بضدّه. وستحلّ القصيدةُ محلّ الواقع. ستحاول أن تلملم شظايا المكان. وستمنحني اللغة القدرة على إعادة تشكيل عالمي وعلى محاولة ترويض المنفى. وهكذا، كلما طال منفى الشاعر توطدت إقامته في اللغة، وصارت وطنه المجازيّ… صارت وسيلته وجوهره معاً، وصارت بيته الذي يدافع عنه به.

الابتعاد عن الوطن، بوصفه منبَع الإلهام وطفولة اللغة، قد يُدمّر الشاعر. فهذا الابتعاد هو امتحان عسير للقدرة على اختراع ألفَةٍ مع مكان جديد، واختراع صداقة مع حياة لسنا مُؤهّلين لها، والمشي على شوارع لا نعرفها، والتكيّف مع مناخ مختلف، والسُّكنى في حيّ لا تربطنا فيها علاقة ببائع الخبز والصيدلية والمطعم ومغسلة الثياب. وباختصار، هو تدريب الذات على أن تولد من نفسها بلا مساعدة، وأن تستعدّ لمواجهة الموت وحدها. ولكن، إذا لم يُدمّرْكَ المنفى ستصبح أقوى، لأنك استخدمت طاقاتك القصوى وحريتك الداخلية لا لتأتلف أو لتجد مساواةً ما، بل لتصالح نفسك، ولتتفوّق عليها وعلى الخسارة. وعندها، قد يسألك أحدٌ ما: لولا المنفى، هل كُنْتُ سأستمع إليك؟ لن تعرفَ كيف تُجيب. وقد تقول: لولا تلك الأرض التي وُلِدْتُ عليها ومنها، هل كنتُ ما أنا عليه اليوم؟ هل كُنْتَ ستسألُني؟….

للمنفى أسماء كثيرة، ومصائرُ مُدمّرة قد لا ينجو منها إلا بعض الأفراد الذين لا يُشكّلون القاعدة. أما أنا، فقد احتلّني الوطن في المنفى. واحتلّني المنفى في الوطن.. ولم يعودا واضحين في ضباب المعنى. لكني أعرف أني لن أكون فرداً حراً إلا إذا تحرَّرَت بلادي. وعندما تتحرَّر بلادي، لن أخجل من تقديم بعض كلمات الشكر للمنفى.

· نشر بمجلة " الغد " الثقافية . عمان الأردن .

->إقراء المزيد...

الثلاثاء، مايو 04، 2010

إيلاف / . " إبيغرامات من زمن الليبو "

إبيغرامات من زمن الليبو

إبيجرامات من زمن الليبو*

" ثمل أنا الآن بجرة الشعر ,, أعبث بضفائر الندى والفجر يسكر .. أهش على الصحو بطرف قصيدة .. خادرة المدينة العصماء في البحر ,, قصائدها لا تذوب والشط الجريح يكابد ملح الحكاية البكر ,, يغمس في الموجة وجعه العرم ..

" بوجهي بحر برنيكي .. شط الشابي "

لم تستحم كعادتها بماء السبيل .. نشوانة بالذكرى عند غدير لم يفيض .. التحفت ريشها المالح.. تنقر في صدوع الطوب بالمنارة حظها القديم ,, مناقيرها بلون السنابل وحب الحصيد.. ذاوية عند شاطئ الأساطير.. تجمع لضفائر " برنيكي " .. أصدافها الحبلى بنداءات المطر الجديدة وقصائد الزمن البديل ....

" نوارس فورتونا في مسبح بيكاسوس "

قدرها أن تغفو في مسارد البزوغ وتفوت البهجة .. قدري أن أراها على خط الأفق " رحلة مؤجلة " .... الحلم والشمس يشدان أذان العتمة فمن سيوصد في القرارة رؤياي من سيطلسم الحكمة بإصبع ؟ ! ... الكوة المسحورة لي والصبح لي خذوا الكوابيس قبل أن تصحو القهوة ... قلبي حليبه لا يصفع .....

" وشاية المؤجل بالسيد صابر "

من يسأل الطين الموجوع كيف تحتمل جراحات المحراث لتنجبني سنبلة. كيف تشق الجذور جسدك العاري ولا تنزف ؟؟؟؟؟ !!!! ..

" من حماقات الشوكة في حضرة الجسد "

كل ليلة تمر. كل ليلة بها أسكر ,, تنثر في جبيني خمارها ,, أنام على حجرها وأحلم بها قمرا أشقر ,, تترك صرة من الشعر .. في الفجر تغادرني ندى .. أصحو على قطر شهدها بفمي ,, قصائد من حليب وسكر... هكذا تجي معذبتي " ليبيا " حراسها المسك والعنبر...

" وسواس يقين .. الليبو لا يحلمون في ليل فرعوني ؟ ! "

الأمازونات وأنا وحكمة براكليز لا نكفي لخوض البحر.. الكاليبسو تزغرد للشراع والمينوتور يشحذ قرونه لشقها .... أثينا سقطت .. كنوسوس وفايستوس هدمت ,, مازلت وألف مياندس نغني في مراكب مثقوبة لتطرب الريح .. ليس معنا ساتير واحد ينفخ مزمار ..

" المناجاة بلكنة إغريقية أخر الشجو ,, لعلها تصحو قورينا "

وراء الجدار أمام الجدار ... كتائب أصابع ترتعش تتسرب بلا حبر ,,, لا تخربش .. تمارس عادتها السرية في صمت ,,تقرأ بلذة مكبوتة وتغادر مبلولة الجبين ... أي ذائقة خرقاء هذه !!.. أي ذوات تسحق الومضة بنعل الكبر وتدوس فضاء البوح كالحرباء ؟؟ ,,, .آما كفانا ما تركناه بالقاع والرقاع الرخيصة ؟؟؟؟ !!!! )) ...

" حوائط الفيسبوك Facebook"

طروادة ستدك أسوارها من دون الحصان .. الكتابة أشد من المكر "

كلماتك ثملة بلا نبيذ ,,شفتاك في أي كنثاروس تمطت ,,, هل عصرت حبرك من عناقيد النجوم أم دسوا في صدرك حليب القمر ؟! .. يا جاليليو صحصح ولا تترنح الليلة أطلق في السماء أحداقك الغائرة ,,, عرفنا أن الأرض كروية !! وراضون بذلك ,,, عرفنا أننا نسكن ببيضة على غصن مجرة ,, لكنهم الرهبان يمسكون بأقطارها والزمان عندنا لا يدور ,, شاور تلسكوبك واستفتي ناسا إننا نتكور في ثقب أسود يا رجل !! ,,...جوجل ليست كعرافة دلفي ليس بأصابعها نقرات ولوج ولا لوح مفاتيح بجيدها,, بوابة طروادة عادت موصودة بشمع الجسوسة , , عادت بحصاني دمية دامية, ينزف صهيله بين أصابعي وكفي لا تدمع ,, كما نزف كعب أخيل عنترة الإغريق ,, لا داحس ولا غبراء تبكيه وتبكيني ... لا أطلس يحمل كرتنا ويسددنا في مرمى الكون فنتناثر غبار أمنيات سحيقة ...

" مرصد هابل للبوح ما وراء المجرة "

في طبقات العقل العليا ثقب الظنون داخن .. ياه أي كربون ينفثون برأسي !!!! ولى زمن الأكاسير وحلت العتمة "

" بيئة النص قاع آسن "

" لن يحط الهواء العليل برأسك الساخنة ,, فأنت من أقفل كوة النسيم طلبا للحمى المؤبدة في فرن انفرادي ... "

" العهدين القديم والجديد مكرر , سفر الزنازين "

" كانت الرؤوس ملتصقة ككومة بطيخ ,, باردة كصخور الجدول الآسن ,, وكان الخوف يذوب على كل الضفاف ,, ويحها هذي الجباه , ليتها تسجد لله هكذا !! ليتها ترتقي قليلا وتصعد الهضبة .. لعرفت كم هو موحش دغل الشيطان وكم هو فسيح مرج الملائكة ..!! " في الحياة لا سعر للصمت, فالجلبة والضجيج يجذبان أبطأ أذان التغيير " ..

" الفصل السابع من قانون الجنة "

" قد تولد في كفك العصافير .. أيها الضليل على كل الغصون بصمات شرودك.. صناع الأقفاص يطلبون مقاسك لا تخلع جناحك ببيت الحطاب ... أغمس ريشاتك بزيت التيه,, هنا لن تسمع إلا انهيارات أهدابك أمام كوة الرؤى وتقليم الأنوف بتهمة سب العفن,,,

" مزامير بمنطق الزرازير "

_______________________________________

* / النص ينجم عن صوره وأسمائه ومعالمه من مراقد الأساطير الليبية القديمة والإغريقية لارتباطهما بجغرافيا وثقافة وتاريخ وبيئة التداعي . لم أضع شروح شارخة لبدن النص كي لا يتعرى المعنى ويتحلل في طاسة السرد .

جريدة إيلاف
الحبيب الأمين " إبيغرامات من زمن الليبو "
GMT 17:44:00 2010 السبت 1 مايو
http://www.elaph.com/Web/Culture/2010/5/557489.html

->إقراء المزيد...
Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art