الأربعاء، ديسمبر 30، 2009

عام 2010 : نافذة الفوات 2009؟

2010 year


انه عام يجري سيغمس في الدهر حبره
أنها سنة ماضية , كالسيف ,,
لم تردم غير الأيام وبعض أوراقنا ,,, نامت في خدرها شهوة الوعي
وتخبلت في غزلها خيوط القلق … مرت بنا كالريح , نفضت غبارها
وغادرتنا بين الصمت والدهشة والموت .



بقدر ما نملك من هواجس ومثبطات تتكاثر بمجانية لا أجل مرتقب لإعلان إفلاسنا منها أو استبدالها بربحية معقولة من مشاعر موجبة اللذاذة ,,يبدو أن طائف الوساوس وهامس الشك لا يمكن إبقاؤهما بعيدا في خضم المرارة المتحللة في كل النكهات المتوفرة , تأخذك الظنون عميقا وأنت تعاقر الفكرة بأقداح البهجة المشوبة بالحذر … لتكتشف كم الشروخ والصدوع التي شوهت ما أخلصت في جسره او دمرت ما قدست بنيانه ,, سنة انفرطت من عقد أعمارنا البعض يضمها إلى عنقه ظنا أنها ستطيله بينما لا يتكلف حسبان مسارب الفنائية في هدرها وهو لا يطيق النظر طويلا في أفق الجبين بل يتهاوى بصره تحت مستوى أنفه إن لم نقل نعله مقتفيا أثره الأعمى ,, كما لا يروقه حصاد الشيب أو عده بعد أن استفحلت البلادة بفروة رأسه بذات الدرجة أو يفوق من عدم الإكتراث وهو لا يتمل أي الأخاديد أو التجاعيد تيبست بصفحة وجهه وهو يكابد الاكتئاب الوبائي والوجع الكبدي الطافح من كل الأفكار الحزينة ,, بعد أن تجرد من أي مساورة للبحث عن قطرة فرح أو خطوة نجاح أو حتى إعلان بكائه بهذا الزمن اللاهب بالسوط والنائح في صمت على كل المسرات ومن كل الاتجاهات ..


في هذه المغالبة والصراع بين التمادي بالتقليد والصمت عن الابتكار والقبول عند مرحلة ترويض الذات واستأنس الصور المرخصة بالتداول العمومي تبدو فكرة التجاهل شائكة وخشنة على البلع كما هي أفكار التدواي بالأعشاب وترك الثمار جد رخيصة لكنها لا تخضع لمعايير الجرعة الشافية وهل سيكون ثمة شفاء بالصمت والتجاوز والنسيان !!…
بالضبط هذا ما يعتريني وأنا أحاول قمع رأسي عن التفكير برأس السنة الجديدة “ 2010 “ ,, التي تكاد خطواتها أن تهبط عليه حبرا وأقلاما من الساعة التي تنسخ عقاربها على كل الحوائط أمامي كشبح ناطق يلسع الفراغ بتكاته ,, ..


أخيرا نجح بمحاصرتي وحيدا بينما كنت أتحضر للقراءة , للكتابة ,, لمتابعة مواقعي المفضلة وغير المفضلة على الانترنت ,لاكتشف إن العالم بأسره يدور بذات الفكرة والتي تؤججها شاشات الأخبار والترفيه والغناء وغيرها


ذكرني هذا بقصيدة يابانية اوردها الروائي الياباني “ يوكيو ميشيما “
في روايته ( الجياد الهاربة ) تقول :
إن محاولة تجنب التفكير
هي ذاتها تفكير…وهكذا فحتى الأمر : “ لا تفكر ! “
هو مما لا سبيل إلى التفكير فيه …..



هاهو الليل يرفع كتفيه بظلمة ثقيلة يجر عربة الحطب الأخيرة نحو كانونة الشمس ليشتعل اليوم الختام لعام أحرق كل لحظاته ,,,, لطالما هادنته الأحلام تحت وطأة السأم وهي تعكس ضربات اليأس ببؤرة الازدراء ,, مفسحة الرؤية بعين الأمل للساعات المقبلة أن تمر كي تتعشق بتكاتها وهي تتقد بألق مرتجف يلمع بحوائط غرفتي المظلمة إلا من هذه النافذة "@ " التي انقر فيها كلماتي عبر الأثير ونحو الفضاء ككل العناكب الساهرة قبل أن تصحو أجراس المدارس وأودع أطفالي من نافذة أخرى لا أرى في أفقها إلا رهبان الكوابيس يعمدون الوجوه بمياه الروتين الثقيلة والرتابة الآسنة… …مع هذا تبقى لجارتي الحمامة المعششة قرب الميزاب العطشة بالحائط الشاحب كروح صديق آخر ينشر على حائطي بعض أحلامه - لعله يصنفني كمتصفح عابر ومسالم الحضور لأعشاش البيردبوك ( Facebook = BairdBook ) - هي الأخرى تبدو في حالة اشتهاء للنور لتحلق وللدفء لبيضها لكن مخالب الطقس قلما تمنحها عذوبة الانتظار دون جوابها بصقيع قارس , فتطلق الريح بشبق مضاعف يستبد بريشها وبجوانحي ,, ما يجبر كلينا على النظر للآخر من وراء الزجاج بانتظار أن يفقس بيضها وأن تكسر أحلامي أخر قشور اليأس في عشها الدافئ أيضا بالأمنيات الطيبة لسنة نكاد أن نلثم رأسها وأخرى نتمنى أن لا تركل أقدامها اقبالنا الودود نحوهها..“



هل تترك الرمال أهدابنا ..
هل يغسل الطوفان أرض القشور ؟
ادونيس

->إقراء المزيد...

الاثنين، ديسمبر 28، 2009

شرفة المكان الرسمي وتلويحة المثقف الحداثي

بقلم الشاعر نوري الجراح

الشاعر نوري الجرح

لسنوات قليلة فقط ظلت مفردات الهامش والهامشية، المركز والمركزية، والظل والضوء مفردات وصياغة في حركة الثقافة العربية، وثيقة الصلة بخطاب المثقف الحداثي، وأحياناً ذات دلالة استثنائية تبلغ مرتبة الأيديولوجية لديه.

كانت القصيدة الجديدة الطليعية المعارضة والاستثنائية، مثلاً، هي قصيدة النشر الهامشية، وشاعرها هو الشاعر الهامشي الثوري الذي لا يكف عن الاحتجاج على كل شيء، ويكثر في خطابه من هاء المنبر وشاعرها الجماهيري الذي يقرأ مزاميره على جمهور مستسلم، لم يسلم بدوره، من مفردات الهجاء، ولا من عبارات الازدراء والتفريع التي ابتكرها له الشعراء الحداثيون. فهو جمهور غبي وبليد ومتخلف غالباً، وتقليدي متحجر في أفضل الأحوال، كل ما يرجوه من الشاعر هو أن يغزو حواسه البدائية بشعر يصيب مناطق الغريزة لديه فيشبه شيئاً من جوعها، أو سد رمقها، مقابل شاعر تواق إلى غزو جمهوره غزوة ناجحة تعوض فشله في غزو امرأة أو سلطة أو مجد، أو شيء آخر.

وقد صنف الحداثيون علاقة كهذه بين شاعر وجمهوره بصفتها أبأس العلاقات طراً، وحبّروا آلافاً من الصفحات في هجائها وتفكيكها ونقدها وتبيان فسادها وعدم صلاحها لحياة الشعر، وحياة الثقافة، ومستقبل حواس الإنسان الجديد.

ومن جملة ما كان الحداثيون يرونه أن الدولة العربية المعاصرة هي دولة قصائد موزونة، تأبى أن تجاري تطور الشعر الحديث إلى درجة الاعتراف بقصيدة النثر شعراً، وذلك لخلل في أصل تكوينها يجعلها رجعية الخيارات مستريبة من راديكالية الشعر الجديد وشعرائه الذين رأت أنهم تطرفوا في الإعراض عن اعتماد الأوزان في شعرهم إلى درجة أدت إلى هدم النظام العروضي العربي برمته، وتبديد ما ظل العرب ينظرون إليه على أنه ثروة موسيقية شعرية وخصوصيات إيقاعية تميز الشعر العربي منذ أقدم العصور، الأمر الذي أدى إلى استنفار جيش من المثقفين الغيورين على تراث الأمة راحوا يقرعون نواقيس الخطر في صحف دولة التراث العربي ووسائل إعلامها المرئية والمسموعة، منددين بقصيدة النثر باعتبارها مؤامرة امبريالية ينفذها حداثيون عرب لقضاء هدفها فهم اللغة العربية التي هي كيان جامع، وتدمير بلاغتها الشعرية الدالة على بلاغة الأمة.

طوال الوقت لم تكن المؤسسات الثقافية الرسمية السائدة ببعيدة عن هذا التصور، ولعلها أخذت به في حالات كثيرة، على الرغم من الأعباء الكثيرة التي كانت –وما تزال- تقع على كاهلها، وعلى رأسها عبء لجم الشارع ودرء الأخطار المحتملة التي يمكن أن تهب عليها من أزقته الخلفية وحتى القلب منه. فمن منا لم يسمع، أو يرى ما وقع في غير بلد عربي للكتاب والشعراء والنقاد الحداثيين في أواسط الثمانينات من اضطهاد ثقافي بلغ درجة الإقصاء من المشهد، والطرد من العمل لصالح سيادة منظور آخر للأدب والشعر والفن، والثقافة عموماً من سماته الأساسية تقليديته المتزمنة، وأعراضه الفج عن الأخذ بالجديد أو التعايش مع. ففي نظر مثقفي المحافظة الذين كانوا (وسيعودون على الأرجح) فقهاء الدولة العربية المعاصرة ودرعها الفكري المدافع، كان الشاعر الحديث والمثقف الحداثي اليساري والليبرالي على حد سواء بمثابة شياطين: واحد شرقي شيوعي، والآخر برجوازي غربي، وكل منهما علماني ملحد ومعاد للتراث، وبالتالي كان لا بد من دعوة المجتمع إلى الحجر عليهما ليسلم أبناؤه من شرورهما الأدبية وفكرهما الهدام.

هذا كان بالأمس، وتحديداً حتى مطلع التسعينات. لكن خمس سنوات، فقط، كانت كافية لإحداث ما يبدو، حتى الآن، انقلاباً دراماتيكياً في موقف المؤسسة الثقافية العربية الرسمية من هذا المثقف –المبدع المسمى حداثياً، من دون أن يسبق هذا الانقلاب ويمهد له، أي تغيير يمكن أن يذكر في المفاهيم التي تقوم عليها نظرة الدولة إلى الثقافة.

فما الذي حصل حتى وقعت الدولة العربية ومؤسساتها الثقافية، مرة واحدة، في غرام المثقف الحداثي فبات ضيفها الذي لا يغيب عن مهرجاناتها الأدبية والشعرية وندواتها الفكرية، وحامل جوائزها، وحليفها في مواجهة خصومة الفكريين الذي باتوا خصومها، وهو ينتقل اليوم ليلعب دور المنظر لفتوحاتها الاجتماعية. فما الذي حدث في خمس سنوات فقط؟

هل تغيرات الدولة فلم تعد كما كان الحداثي يصفها حين كان ما يزال يشغل الهامش: دولة متخلفة دائماً، ومناهضة لإنسانها في أغلب الأحيان؟ أم أنه هو الذي تغير؟

الحداثيون إلى أين

لو عدنا إلى الخطاب الجمالي الصادر عن هذا المثقف لما وجدنا تغييراً يذكر، بل أنه ما يزال متشدداً في طروحاته الراديكالية الداعية إلى الأخذ بالجديد مقابل هدم القديم، والشيء نفسه نجده في الشق الفكري من خطابه. فهو خطاب ما يزال، كما كان دائماً، براقاً في توصيفه الخلل، فهو يهجو القمع العربي، ويدعو المجتمع العربي إلى تكريس قيم حقوق الإنسان وعلى رأسها حقه في التعبير عن نفسه، لكن من دون أن يحدد لنا هذا الخطاب (وربما هنا تكمن المشكلة) عن أي دولة عربية يتكلم، وأي نظام حكم عربي يقصد.

وإذا ما سلمنا أن العالم العربي يتمتع بـ 21 نظام حكم بينها مئات الخنادق والوقائع والمؤامرات، ولا يجمع بينها خطاب مشترك، مقابل نخبة حداثية ذات خطاب مشترك، ، أمكننا، ربما، فهم تلك الحرية الإنشائية العائمة التي يتمتع بها المثقفون الحداثيون، والتي لا يقيدها تحديد، إلا إذا كان موضوعه من دلت دولته وأفلت شمس قوته ولم يعد لديه ما يفعله إلا أن يقعد هو ورهائنه من السكان في رقعة حصار دولي منتظراً الفرج من الله إذ ذاك فقط يتدفق الحداثي بالشجاعة، وتنحل عقدة لسانه. وفي هذا المفصل يتيح التحديد للمؤسسات الثقافية الرسمية أن تستعمل كلماته بالطريقة التي تناسبها، وتخدم سياساتها، بينما يمكنها بقية أجزاء خطابه أن تتحرك بحرية فوق المضامين الهجائية وفوق النقد الذي يحتويه هذا الخطاب، كأنها لم تكن – ولن تكون- مقصودة، حتى لو كان العكس هو الصحيح، ما دامت هي من ينظم (من أجل ازدهار الثقافة دائماً): الندوة والمؤتمر، المهرجان والاحتفال، وحلقة البحث، وحتى التأبين.

والسؤال الآن هو: هل حقاً لم يدخل في ظن المثقف والمبدع داعية الحرية أن وجوده في هذه الأنشطة الرسمية سوف لن يحوله هو وثقافته الحديثة إلى مجرد ديكور ثقافي، يكمل بوجوده أثاثها الحضاري أو قناع يركز لها صورة أنسب من صورتها، أو شاهد بين شهود كثر يدلون على ميزات لا تتمتع بها؟ وهل تساءل هذا المثقف إن كان يعقل لخطاب ينطلق من فسحه الحرية الرسمية أن نفهم منه أن يهجو هذه الفسحة؟ أو أنه لا يعني بأي حال من الأحوال، اعترافاً بأهلية المكان الرسمي وإشارة إلى نضج علاقات حرية التعبير فيه، وتبرئة له في النهاية من كل المضامين النقدية التي تحملها خطابات المثقف للسلطة القمعية العربية؟

لم يملك الخطاب التحرري الحداثي، خلال العقد الأخير على الأقل، وإلا نادراً، أن يضع النقاط على الحروف ويسمى الأشياء بأسمائها، حروفه غالباً بلا نقاط، وليس هناك ما يشير، ولو بأصناف كلمات متقطعة، إلى واقعة انتهاك الحرية ومكان القمع. الأدهى من ذلك أن النقاط أحياناً ما تترك للجهة المستضيفة فتختار لها من كلام المثقف ما يوافق حاجتها. أو ليس هي صاحبة الدعوة.

لقد توصل المثقف الحداثي في زواج المتعة هذا، أو شراكة المأزق مع الدولة العربية التي تغيرت ظروفها لم تتغير مقوماتها، إلا ابتكار صياغات عمومية توحي لقرائه بأنه ما يزال نصير الحرية، ونصير حق المختلف في اختلافه، وحق المعارض في معارضته (ما دامت حالته في النهاية قابلة للتوافق مع الصياغات الليبرالية في طبعاتها الخاصة بالمجتمعات المولعة بالأصالة، وما دامت لم تقع تحت العين الحمراء للسلطة الخاضعة لفلك المركز الحداثي الأقوى).

وإذا كانت الحداثة الإمبريالية حسب مصطلحات الخطاب ما بعد الكولونيالي، قد توصلت من مركزها الأمريكي إلى صياغة (وإنتاج وتسويق) تعريفات للإرهاب ألزمت بها غالبية الدول التابعة للحداثة فإن المثقف الحداثي الذي لم يكلف نفسه عناء فحص هذه التعريفات، أخذ – كما كان متوقعاً منه تماماً- يقاتل لتثبيتها في خطابه، على رغم ما في هذه التعريفات من تنكر لحقوق الذين سلبت حقوقهم المشروعة والمعترف بها دولياً وقاموا يقاتلون لاستعادتها، بما يضعه في النهاية في أزمة ضمير، وفي مفارقة لا أخلاقية.

لكن ماذا يفعل هذا المثقف ما دامت المؤسسة الثقافية قد رفعته (في عمل يتناسب طرداً مع انسحاقها أمام المركز الإمبريالي) فانتقل من حالته الهامشية إلى حالة الشريك في البرهة غير أن يتصرف كالعبد المرفع في الدولة الفرعونية (حور محب نموذجاً) أي أن يربط مصيره بمصيرها، وأن يذهب في بعض الحالات ضحية تناقضها مع الشارع. (يمكن الإفادة، هنا، في بناء مزيد من الأمثلة حول ما سلف من دراسات إدوارد سعيد، وخديجة صفوت، وعبد الوهاب المسيري. الأول في ما يتعلق بالحداثة الإمبريالية، والثاني في ما يتعلق بالعبد المقاتل ولدى الثالث في ما يسميه بالنخبة المملوكية)، والمصطلح الأخير يصلح استعماله في وصف فئات من المثقفين الحداثيين الذين لم يشغلهم التفكير بالحيز الاجتماعي وبالتناقضات الفادحة التي وضعت فئات واسعة من الناس في مواجهة نظم الحكم (وصلت في حالات كثيرة إلى درجة الصدام المسلح والإبادة الجسدية) بمقدار ما شغلوا بالسلطة تشريحاً، ونقداً ومغازلة.

ولم ينشغل أدباء هذه الفئة بإيجاد لغة للحوار مع الشارع والناس بمقدار ما شغلوا بتوليد إنشاء حداثي: (شعر، قصة، رواية، نص مفتوح ... الخ) من سماته الأساسية اتجاهه إلى احتلال اللغة وإعادة تشكيلها لبناء نص حداثي أعلى، وبالتالي نص يصعب تداوله خارج إطار النخبة (لا اعتراض كبيراً لدي على ذلك لكوني أصنف شاعراً حداثياً) أي نص لا يفعل في كثرة الناس التي سوف تترك بالتالي لتفعل فيها نصوص أخرى. هي عل الأرجح نصوص التراث في طبعات متعددة.

على هذه الخلفية، يقف المبدع الحداثي النخبوي غريباً إلى الأبد مرة في لغته المنفية في تعاليها، وأخرى في المهرجان الشعري المفبرك، وإذ يشكو من خلو القاعات، فلأنه لا يكف عن التمزق بين طموحه الجمالي الغريب المتشح بعيداً عن الناس، وبين رغبته في أن يرى وجوده بين سلطتي النص المتعالي، والسلطة المتهاوية أن يصوغ لنفسه موقعاً بين الناس، ولنصه أثراً فيهم؟

يشغلني شخصياً هذا السؤال، إلى درجة إعادة التفكير بلغة النص، وبعلاقته بالناس (أي ناس؟) وبحركة المجتمع، وبالأطر التي تتحرك فيها الثقافة، وبمعنى الحداثة، وما إذا كانت حداثة عربية واحدة أم حداثات عربية، وحداثات أخرى متعددة. وبمقدار ما تشغلني القاعات الشعرية الفارغة، تشغلني القاعات الشعرية الغاصة ، وتشغلني بينهما أصوات النص الحديث، والدوافع البائسة إلى حبسها في صوت قلق أو جهوري لا فرق، لكن الآن لحظة المهرجان دفق صوتي يغزو أذناً مسكينة هي الأخرى، لكونها ضحية أوهام خاصة بها، ووليدة تصورات جرى تشويهها، واختزالها في علاقة هيمنة غريبة بين الشاعر والمستمع، لكنها كاركاترية، أيضاً، لكونها علاقة تجعل الشاعر يستعير من السلطة منبرها. ومن المكان الرسمي شرفة للإطلال على الناس.

إن في ذلك أوضح العلامات على تحقق ما لا يمكن أن يتحقق إلا قسراً لكنه يملك أن يوهم بأن شرطه الحرية.

______________________________

*المقالة منقولة دون اي تعديل كما نشرتها مجلة “ المجال “ الليبية

, تصدر عن جامعة عمر المختار , العدد 20 ,صيف 2009

->إقراء المزيد...

فريد.. من الإطراب إلى التطريب

الفنان فريد الأطرش زياد العيساوي

“لوحات مسموعة تنتقل بك الى عوالم خلابة عبر ألحان نعتبر أنفسنا جميعا ورثتها الشرعيين “

بريشةِ النعام التي ما فارقت لحظة أنامله الرقيقة وعزف بها على أوتار عوده، رسم لنا لوحاتٍ مسموعة تجذرت بصماتها على جدارية طبول آذاننا، فرقصت من فرط حلاوتها بناتُ أحلامنا وصعدت على سلالمها الموسيقية إلى قمة الطرب الأصيل حتى هامت في دنيا الخيال، فسمت في العلياء، كما هو سام في الغناء سمو الأمراء.

وما هوت ولا تود أنْ تبرحها ولا تطرحها من ذاكرة أفراحنا، وبها لامس جِراح أفئدتنا، بعد أنْ نقــّعها في حبر أعيننا الشفـّاف كما كان يغمس العاشق في سالف العصر والأوان ريشته في محبرةٍ استجلبها من بلاد الصين لا يضيع مِدادها، على رقعة من أفضل الجلود التي دبغها وجفــّفها بملح الخلود، ليُسطـّر عليها رسائله، فتغدو-فيما بعد- أسفاراً للعشـّاق بلحن وطعم الحياة فتداوي أحزاننا.

هكذا هي بسمعي قبل نظري، أعماله الغنائية واللحنية والموسيقية، فلا تلوموني إنْ عدت وأبديت عناية ًكبيرةً بفقيد الغناء العربي فريد الأطرش في هذه المقالة وغيرها من مقالات أخريات ستليها، ولكم الحقُّ إنْ مللتموني، فذاك شعورٌ إنساني طبيعي لا أؤاخذكم عليه البتة.

فالإرث الذي تركه لنا هذا الفنان العملاق وصرنا كلنا ورثته الشرعيين هو حقلٌ خصبٌ للتناول لما فيه من تنوع وغزارةٍ وعذوبةٍ، فهو كما الأزهار التي يتعذر قِطاف روائحها في قنينةٍ واحدةٍ، لذا يصعب الإلمام بأعماله كلها في مقالةٍ واحدةٍ، قد تـُضيَّع عبقها، فأعماله الغنائية واللحنية والموسيقية كما البساتين المُزدانـَة بمختلف ورود الدنيا وبتعدُّد ألوانها وعطورها العبقة.

هكذا أراها وأشتمها بأذنيّ، فقد شربت من تربةٍ خصبةٍ ونمت وتكاثرت بتكاثر محبيه من معاصريه والجيل الجديد، الذي يشرأب الى الطرب ويتلمس وينشد الجمال في غير أوانه الصحيح.

المُطرِّب

أرى قـُبالة عينيّ الآن بستاناً من بساتينه الخضراء، مكتوبا عليه بـ"أطواق الياسمين" (الأغنية الاجتماعية) فيه على كل شجرة من شجيراته المزهرة عدة أغان، اخترت لكم منها هذه الأغنية الفاتنة بكلماتها ولحنها وأدائها.

ولعلّ ما يعجبني في هذه الرائعة وربما لا تتصورونه هو حُسن اختياره للكورال النسائي من دون الرجال، ليشعرك وهنّ يردّدن بطربٍ وفرح وراءه مطلع الأغنية في كل مرة، بأنهن كالحوريات اللواتي يغوينك وينادينك، لأجل أنْ تدخل إلى هذا البستان الجميل، فإذا كانت الدنيا بهذا الطعم، فما بالكم يا أخواني بالجنة التي عرضها السموات والأرض؟ التي في مفردات هذه الأغنية، دعوة للظفر بها من خلال ما تخللها من دعوة للاستبشار والتفاؤل وما إليهما من معان ٍسامياتٍ، فهذه الأغنية دالة على ذلك.

كما يدّهشني في هذه الأغنية أنه على الرغم من أنّ هذا الفنان مُشبَعٌ بالهموم، إلا أنه أدّى لنا هذه الأغنية وهو في أعلى مراتب الفرح، كي يطبّـب بها أحزاننا ويجبّر انكساراتنا:

الحياة حلوة بس نفهمها

الحياة غنوة ما أحلى أنغامها

ارقصوا وغنوا وانسوا همومها

...

الحياة وردة للي يرعاها

الحياة مرة وحدة نحياها

فوزوا بمتاعها وانسوا أوجاعها

ليه نضيعها.. دي الحياة حلوة

...

الحياة تضحك للي يتبسم

واللي مكشر ده اللي يتألم

دي الحياة جنة عشها واتهنى

وأوعى تستنى.. دي الحياة حلوة

...

الطيور غنّت غنّي وياها

ع الغصون حلّت للأليف جاها

هنّي أحبابك ود أصحابك

وارضى بما نابك.. دي الحياة حلوة.

كأنني في هذه اللحظات بصوتِه يتناهى إلى سمعي، وهو يترنّم في دنيا السحر والجمال على آلة البيانو بلوني مفاتيحها الأبيض والأسود، لوني المحبة في عُرفه (إما أو) هكذا يخاطب بكلماته محبوبته في معان ٍلطيفة وعفوية، بتلقائية هذا اللحن الباسق في هذا البستان المُدّونة على ثغور وريقاته حروف نوتاته الموسيقية العالمية بلهجته العامية التي فاح أريجها مع نـُسيمات البحر ووصل إلى حيث منتهاه، بهذه الترنيمة الأخـّاذة من فيلم "رسالة من امرأة مجهولة":

قلبي ومفتاحه دول ملك أيديك

ومساه وصباحه بيسألني عليك

...

كان حبك شمعة في يوم عيدي

وطفاه الدمع وتنهيدي

من يوم ما أيديك لمست أيدي

وكأنك قلت يا نار أيدي

وما دام مشغول يا حبيبي

مش كنت اتقول يا حبيبي؟

دا القلب جراحه من رمش عينيك

ومساه وصباحه بيسألني عليك

...

يا حبيبي ياريت ابقى حبيبك

وأكون من بختك ونصيبك

دنا مهما بتقسى برضو راضي بك

واتسيبني الروح قبل ما اسيبك

قلبي عمل أيه يا حبيبي

ليه تقسى عليه يا حبيبي؟

وحشته أفراحه من شوقه إليك

ومساه وصباحه بيسألني عليك.

الموسيقار

فريد الموسيقي، وما أدراكم من هو؟ ها هي موسيقاه تردّ بينا إلى عالم ألف ليلة وليلة، وتبعثه من جديد إزاءنا، وبالتحديد إلى صفحةِ حكاية سندباد البحري وعلي بابا وعلاء الدين وهيّ تتهادى من خميلة جميلة غنّاء بالغِناء في فناء من قصور بغداد ودمشق وبلاد الأندلس في مقطوعته الموسيقية "سوق العبيد" حينما كان العرب والمسلمون سادةَ المعمورة وأيام كان للوالي العبيدُ والجواري، جاعلاً نغماتها الصادرة من آلاته الموسيقية تترجم هذه المعاني:

أهاتِ وأنّاتِ الكادحين

أصواتِ صياطِ المُعذبين

نغماتٍ من زمن ٍسحيق ٍ

يجودُ بالعبق والرحيق

صيحاتٍ لجلودٍ لفحتها الشـّمس

تخدّشت على جدار زمن الأمس

رسائل ممّن يتوقون إلى الحرية

هدهداتٍ لطيور ٍتحوم في البريّة

وتغرد بأنغام الانعتاق في الفجرية

هتافاتٍ من زمن أضعناه وما أضاعنا

ساكنٌ ذاكرة أمجادنا.

فهذا الفنّان لم يعبّر عنّا وكفى، بل استطاع أنْ يعزف بمهارة على آلة الزمن التي عادت بنا إلى تلكم الأزمنة الغابرة، فعبّر من خلالها عن اختلاجات وكلمات وحركات وأفراح وأحزان حتى أولئك المساكين المضطهدين زمن اضطهاد العبيد.

سعفات إمنت

بقلم الكاتب زياد العيساوي

->إقراء المزيد...

الجمعة، ديسمبر 25، 2009

مسكينة أنت يا باريس .. !



مسكينة أنت يا باريس

" من الطبيعي أن يمعنوا في قياسنا بالمعايير ذاتها التي يقيسون بها أنفسهم...

ولكن عندما نُصور وفق نماذج لا تمت إلينا بصلة فإن ذلك لن يخدم

إلا غاية واحدة: هي أن نغدو مجهولين أكثر، وأقل حرية، وأشد عزلة

غابريل غارسيا ماركيز



يحكى أن ماري أنطوانيت الوردة النمساوية - التي نزلت من فيينا حاضرة الفنون والموسيقى الآرية إلى حدائق باريس الملكية الفرنجية العتيدة، التي وطدها شرلمان الكبير أعظم من قرأ لميكافيلي في عصره واستودع كتابه وسادته، بعد أن استنزف ما فيه من غايات ووسائل- صارت ملكة على الفرنسيين، وشريكة لويسها السادس عشر، بفرساى البيت الأعرق في أوربا.

اعتادت أن تنصح الجمهور بحنوها المعهود بأكل البسكويت في صمت، وبرسم أقنعة ملونة بعلامات السرور والغبطة بعد دفن الوجوه في بودرة الخجل الحمراء، كانت تحترم الشعب الباريسي بلياقة رومانسية راقية، وبلهجة مموسقة، جمعت بين جماليات نوتات الموسيقى السيمفونية وما تربت عليه من فنون القول واللباقة الفرنسية الطراز.. كانت رهيفة الإحساس، رقيقة الخطاب، حتى أنها ارتأت أن تقول للناس من العامة رحمة بهم وخوفا عليهم: عليكم بقطف أشواك التململ من جنائنكم، فالسيد الرقم عشري يحتاج المسايرة، ويؤمن بالمجاملة، فلا تغضبوه إن مر بكم في نزهته، رفقة صغار الأمراء، وكلابه المسكينة، وبصحبته شاعره المجبر بقوة سلاح الفرسان، التي استلته من سريره كخرقة بالية، ورمته كجراب مملوء باللحم على ظهر عربة تنز من أخشابها مسامير دامية؛ ليستعرض معه أسرابا من عصافيره بقفص الباستيل الحجري.. الملك يحب أن يشم عطر عهده على ثيابكم، فارتدوا له أجمل ما لديكم، ولا ترموا الورود في طريقه؛ لتدوسها سنابك خيوله شرقية السلالة، بل تمتعوا بشمها وهي بأيديكم.

ماري .. التي سمعت منذ صغرها تلك الأسطورة الباذخة في الخيال، بأن للنبلاء دماء زرقاء، وأنهم من نسل آلهة الأولمب، لم ترى الدماء مطلقا، ولم تلون دماء الرعية بأي لون مميز، هم في فكرتها عن الحياة والناس مثلها، يعيشون مثلها، ويأكلون مثلها، ويسمعون الموسيقى، ويتنزهون في الحدائق، وفي بيوتهم بسكويت وأفران لصنعه، ويعرفون الحلوى.. ظلت على هذا الحال حتى جاء يوم داخن بوليد جديد من نسل النار لم يسمع به من قبل، حين نشب العراك وتعال الصخب، وتصاعد الدخان، اشتعلت النيران، وعمت الفوضى، وغصت الشوارع بالمتقاتلين، المتاريس والحواجز، صراخ وانفجارات وقذائف .. استعرت، الحماسة تؤجج رغبات الانتقام في الصدور الموصدة، الكل أراد الانتصار لنفسه المظلومة، فاجتمع من الظلم والفساد والغبن ما يكفي لإعلان الثورة، والمجاهرة بالعصيان في وجه الملكية الهرمة.. البنادق تتكلم باسم الشعب، والسواعد ترفع راية الحرية والعدل والمساواة.

فرنسا على مفترق الطرق، وستضع العالم كله على سكة عصر جديد.

ماري.. لم تفهم ما يحدث، ولم تتخيل أي معنى لصورة ما يجري، ظلت واجمة تترقب وفي نفسها حطام طمأنينة، وبقايا سكون، حافظت على رباطة الجأش بصبر وثقة، ربما هي الوراثة، وطبيعة العيش، منحتها هدأة أخيرة.. لكنها كانت - لسوء حظها - مخادعة، فهي لم تكن تعرف أنه على بعد أمتار منها ثمة خطوات متسارعة لطلائع الثوار الشبان تعبر ردهات وأبهاء القصر، باحثة عنها لتنفيذ حكم أنثى أخرى ستتولى مقاليد السلطة اسمها: الثورة.


الأزمة كانت في أوج جبروتها، وصار الهيجان كالعاصفة المجنونة، أما الانفلات فلقد كان حاضرا بآلاف الأشباح يطوف الشوارع في موكب مرعب، الجماهير المحرومة والبائسة تخلت عن أسمال جبنها المرقعة بالصبر القديم، وكسرت قيود الامتثال بأسنانها، وفككت عن أعناقها سلاسل الإذعان والطاعة بمطارق القسوة، بعد أن مزقت إيمانها بظل الله في الأرض وأنكرت على الملك حقه في الرعاية باسم الحكم الرشيد، وصبت صهير غضبها على مباركة الكنيسة.

البلاد كانت بحاجة للثورة، وعلى موعد مع الموت لأجل الحياة، فحياة .. لا حرية فيها ولا خبز لا تستحق أن تكون في قفص البدن، كعمر بائس وسجين يحتويه هيكل العظام، وحري بأصحابها هدرها رخيصة في سوق الموت، علها تشتري لورثتهم أجنحة قوية، تحلق بهم نحو حياوات النعيم.

أخيرا .. قبض على ماري وسيقت إلى جلادها، لكنها كانت هادئة وجزعة في آن، كانت تنتظر أن تفهم ما يحدث، وأن تعرف معنى الثورة، وسر هذا الصخب العارم، وما خطب هذا الشعب يموج بالأزقة والجادات، ويحتل الميادين والساحات، ويحاصر القصور والقلاع، ولا يسمع الموسيقى في الحانات..! تزاحمت الأسئلة على لسانها وأثقلت رأسها الخفيف ذي الشعر الذهبي ... كانت تردد السؤال تلو الاستفهام، تحت وطأة الحيرة والدهشة: ما بال الفتيات والفتيان لا يلعبون في الشوارع وبأيديهم أقراص البيتيفور؟!.

سؤال أخير، تداعى بذهنها قبل أن تستسلم للنعاس- بعد أنهك دوار الجدل عقلها الغض- هل هذه التي يسمونها الثورة ستسعد الشعب ؟ هل الثورة جميلة ورائعة إلى هذا الحد؟ هل ستقدم لهم الثورة أشياء لم نعطها لهم ؟ هل لابد للثورة أن تعبر عن وصولها وتفرض حضورها بهذا العبث وبهذه الفوضى، ومظهرها الدائم نار ودخان ؟ هل هي دائما هكذا وستظل عاصفة هوجاء لا تهدأ ليعرف الناس طريقهم من جديد إلى هدأة العيش...؟. أخشى عليهم من الجوع؛ فالفلاح لم يعد يهتم بحقله، والطواحين توقفت، والقطعان تاهت في مراعيها، وصارت فرائس لوحوش البراري......... المدارس أقفلت، ولم يعد أحد مهتما بالصلاة، لم أعد أسمع الأجراس.

لكن روبسبير الحانق ناشر المقصلة المبجلة في الجمهورية البكر من رحم أرض التمرد والثورة على التيجان السماوية، باغث عنقها المشرئب بفصل رأسها عن جسدها، بعد أن سمح لها بجولة فوق عربة مكشوفة بشوارع باريس، وسمح للغوغاء والدهماء بقذفها بالحجارة والنفايات، كانت غير مهتمة بما يفعلون، كانت تراقب تلك الأم التي ترضع طفلها من شرفة بيتها المطلة على الميدان، وكانت محتارة في سر ذلك البريق في عيون الأم، ولماذا هي تعاود مسح وجهها بطرف ياقتها الطويلة؟!.

أطل روبسبير مزهوا، ورمى بتاجها كلعبة صدئة، بعد أن داسه بقدميه، وأمر بإكرامها بعزف مقطوعة لموزارت - رفيق طفولتها في بلاط فيينا - تصاحب موكب تابوتها المحمل على ظهر نبيل سابق إلى قبرها، تمادى في النكاية والتشفي، فغرز بطرف سكينه قطعة بيتيفور على بوفيه البهو الملكي فهشمه، معلنا كراهيته للرفاهية والفرح والحلوى.. كان دانتون يصفق بحرارة ويحيه ملوحا للجمهور براية الثورة المنتصرة على الملكية والريح .

منذ ذلك الوقت صار الدولة الجديدة قطة، بعد أن انقرضت الأسود الرمز قرينة العروش المتهالكة، لقد انطفأ لمعان الأعلام الأرجوانية، لتشتعل نوافير باريس بدماء المواطنة القرمزية ، ومن القطة وموائها تصاعدت الهتافات، ورضعت القطط حليب شعائر عشق الجماهير، التي ستنقلب لاحقا إلى طقوس تكريس الفريق الحاكم، كمجلس إلهي ينتخب كبيره، بدل ذلك الإله الفرد المستظل بعطف السماء، والذي كفر به وصار ملكا مخلوعا .. لن يطول الوقت ستنجب القطة الحبلى أبناءها، قططها السمان، بل إن بعضها سيصبح نمورا متوحشة. القطة الأم ستلون وبرها بثلاث ألوان، ستصبح زينتها اللونية هذه طقسا ورمزا مفضلا لكل القطط المقلدة التي ستقلب بيوتات العروش رأسا على عقب.. بعد سنين ماتت القطة، وتبين للناس أن حب السلطة غريزة لا يعدو أن يكون تلبية نداء لحنين قديم يقدس مرحلة المخالب.. كانت الثورة بنظر البعض كغجرية حسناء تحمل بيدها نبيذ رودوس، ولها غواية وسحر، وسكرها سيطيح بعقل كل ثائر في أتون الصراع الباطني بين النفس المستنفرة لتحقيق ذاتها والعقل المستفز بإغراء الكسل، لتنتصر اللذة والرغائب النزقة، والتي قلما يصحو من نشوتها غر لم تمسحه عذابات الحكمة، فأمامها لا يصمد دعي طهارة.

كيف ماتت القطة ؟ ..

يقال إن أبناءها بعد أن سمنوا وتقلبوا في حياة الرفاهية والخمول، انجذبوا إلى صالونات الإسراف والبذخ، بنفوس برجوازية ضعيفة لم تقو على الاحتفاظ بنقائها ، وتغيرت طباعهم ، وتنكروا لجلدوهم وجنودهم، وابتعدوا عن جمهورهم، مخالفين فلسفة التنوير وروادها، فكرهوا ما هم فيه كتمثيل أدوار المخلصين الأبطال والفرسان الأطهار، وذات يوم أحيت الضغينة اليافعة وشيطان الصراع المدمر لوثة الخيانة، فانبعثت فيهم ظلمة حاقدة، تحمل هدية الرغبة، وجائزة المشوار الطويل، إنها فكرة الخلاص من هيمنة المثل الثقيلة، وسلطة المبادئ الجائرة، فقرروا الانتقام من الأم التي أكلت الكثير من أبنائها، ونجح بعض الأحياء من بقية الأبناء الجحدة في دس السم لأمهم بقطعة لحم جلبت من مطابخ الأمراء المخلوعين، والذين صاروا عمالا بشبكة مجاري باريس.. وغير بعيد عن المكان ومأوى الطغاة القدامى اجتاحت فئران أنفاق القمامة سيول الفوضى، فطفت إلى السطح تفوح منها عفونة القاذورات، وتنزلق من على أجسادها الديدان والبراغيث، لتسكن وجه الأرض المبلط بالجثث وبالدماء، والمجعد بخربشات نظريات التطهير، وهتافات الدهماء، التي تيبست على البوابات والجدران، وعششت بالأذان، وعلقت على المداخل، وفوق النوافذ، وتسربت عبر الشقوق كوباء لا مفر منه.. الجرذان القادمة من أجرف النسيان ومن القيعان النتنة مارست الحرية بطبيعتها، ونالت حصتها من كعكة الثورة، فاستقر بها المقام في غرف الملوك وتربعت على كراسي النبلاء المنقرضين، لكنها لم تتكيف مع محيطها الجديد ولم تعر اهتماما لطبيعة العصر ومتطلبات حياة القصر، ولم تحرم نفسها من عاداتها الفطرية المقدسة، ككراهيتها للنظام ، وحبها للعبث بالتبول في أي مكان ، وعلى أي قدس أو دنس، وبالتزاوج دون حياء، ولم تستطع كبح جماح نفسها عن السرقة والاختباء، بل بالغت في السلب والنهب، وانتشر بينها الفساد فصارت لها إقطاعات، وأعادت تشغيل طبقة الأقنان والحمالين الساقطة من قانون المرحلة، للعمل في مناطق نفوذها الزماني والمكاني في سهول وغابات فرنسا، وأسكنت الكادحين في ضواحي باريس؛ لأنها تحتاجهم لخدمتها كأجناد وعسكر لخوض حربها النبيلة لتطهير وتحرير أطراف المملكة التي زحف عليها الجرمان والطليان، لكنها عجزت عن تفسير ما يراه الناس في نومهم من أهوال الكوابيس المرعبة، الجاثمة على صدورهم، وما يعانونه من تزايد أعداد المجانين والمتسولين، وما يحدث لها هي نفسها كجرذان، كانت جميعا تحلم بذات الحلم.. كانت ترى نفسها وهي ترضع من ثدي العنقاء، وأنها ستتحول إلى صقور نبيلة، وأن الشعب سيصير أسرابا من الحجل والحبارى والسمان.. ثمة خطأ ما في ما نحن فيه.. هكذا عبر مجنون عن جنونه لمجنون آخر كان يقاسمه سكب النبيذ من زجاجة فارغة، قال رفيقه ممتنا: لقد سكرت، منذ الصباح وأنت تملأ لي كأسي بالهراء الذي لا طعم ولا رائحة له.

أبناء الشعب كانوا مكومين على بطونهم تحت سقف الجمعية الوطنية، يتقاذفون كرات الهمس بألسنتهم الحافية. فيما الآذان الملقاة على حواف رؤوسهم المنكسرة تنخل الصخب من ضجيج أصفارهم الهاتفة بالخسارة على قارعة الجدل، لمشروع إصلاح الدروب، وإنارة الأفق ، كانت أيديهم ترفع أصابع الرفض ، وكانت أقدامهم تلوح بالجوارب المرقعة ، والأحذية العفنة ، رافضين التصويت على مشروع مسطرة العقوبات الجنائية الخاص بمدد الأحكام بالسجن ، وقوالب الاتهام الجاهزة للإعدام على مقصلة الثورة، كما أظهروا امتعاضا واضحا لما سمي بمسودة قانون حظر فغر الأفواه ، وسكب الأحبار في غير بنود الطاعات المنصوص عليها في وثائق البيعة الأبدية للفريق المستبد بإدارة شؤونهم ، والمستمسك دوما بقبضاته وأسنانه بالنهج والأداة.. زعيم الجناح الطاعن في العهد تحدث بلسان الطبيعة ، مستعينا بقوس قزح ليعبر عن الطيف السياسي الملتف حول اوركسترا القاعة ، فأطلق من جعبته سهما برسالة حامية استقرت بكبد الحقيقة، طالب بحدة وجرأة أخجلت الجالسين في الصفوف الأولى وأجبرتهم على ليي أعناقهم إلى الوراء باحثين عن مصدر الصوت وهوية المتحدث، الذي قال: باسم الشعب أطالب بحذف كل اللويسيون العشريون والناقصون عشر من معادلة التنوير لأحياء العتمة بكومونة باريس الطافية منذ زمن طويل كشظايا من رماد فوق حمم بركان الفوضى المكلل بعواميد الدخان.. إننا لا نرى فائدة ترتجى من هذه الدعوات الملفقة ، والمشاريع المؤجلة ، والقوانين المعطلة ، والمخططات المخدرة ، التي لن تنال عطف فولتير ولا رضا روسو نفسه لو بعثا وفي أيديهما فلسفة الدنيا وقوانين السماء.

المفرطون الجدد وأنصارهم من بني اللهاث وفرسان الهيكل الإصلاحي وأعوانهم من جناح الحراسة التكنوقراطي والمجمع البرجوازي المدعوم من كونتات وبارونات ومرابي نواحي باريس الأربع وما جاورها، رغم ما هم فيه من خلاف وشقاق، هددوا بشنق مشروعهم المستقبلي على خشبة الحاضر، وبمغادرة الزمن، وبحرق سجل تاريخ المظالم، معلنين أنهم سيمنحون ورقة التسامح وصك الغفران، ولن يطالبوا إلا بأدوار تناسب أسنانهم، وسنهم، وتشبع رغباتهم بالاشتغال بمناهج العلم المعطلة، دونما اعتبار لروح الواقع ، وواقع الأرواح، وبما يحقق بعض طموحاتهم القديمة في تعاطي مشروب السياسة على طاولة حكومية، تتوسطها كعكة فرنسية زينت بشيكولاته سويسرية، أحدهم صرخ مهددا: لئن لم تكفوا عنا فالبحر أمامنا، وسنلحق بك يا لافاييت الى هناك، حيث البر الجديد. بعد أن أقسموا بشرفهم النضالي الغابر، وبآدابهم المستوردة، وبثقافاتهم المدجنة، وبدواوين الباستيل المنحولة من مخيال أدعياء العشق المزيف لفرنسا، ومن وحي التجذيف في حق آلهتها الجليلة، وبشرف العلوم التي يقدسونها- كانت السيدة (ههههههه) في الصف الأخير تكركر، وتقهقه، حدا جعلها تتقيأ على كل الجالسين أمامها، مما أشاع القرف في الجميع، فطفقوا يتقيئون على بعضهم، دونما خجل، أو حرج، أو حياء- نطق كبيرهم ليقول: أيها السادة إن مسودات وبرديات وقراطيس الإصلاح وإعادة الهيكلة تحتاج صلاحيات لا نمتلكها، وإن هناك من يهددنا ويتوعدنا بالويل والثبور ويتربص بعجلات عرباتنا بين الأحراش، وإن خيولنا سممت في إسطبلاتها، فلم تعد لنا مطايا. نحن نجدف في الهواء والمركب غارق في الثلج ...

رد أحد النواب بالقول: إن بؤساء الشعب - الذين يتقاطرون إلى بيت الشاعر شاتوبريان - يناشدونه الإسراع في طرح كتابه " مذكرات ماوراء القبر" في مكتبة باريس الأهلية ليكشف خبايا الفساد وبشاعة شياطين البؤس، وسيتبادلون قراءتها ليل نهار، بعد أن يدفعوا ثمنها من فرنكات حليب أطفالهم، ومما سيوفرونه من فطورهم بعد امتناعهم عن شراء الكورسون المدعوم.

دبت الفوضى في طرف القاعة الأيمن، وارتفعت أصوات بعض القساوسة بالأدعية والصلوات مباركة جهودهم ومعلنة عن رغبة بابوية للحبر الأعظم بإقامة قداس كنسي للإصلاحيين بعد تعميدهم في مياه نهر الجارون، روح نيرودا حضرت، وأنطقت لسان فتاة بكماء فذهل الحضور، وعدو ذلك إعجازا ثوريا باركته الإلهة وهي في غير وعيها، تلت الفتاة بصوت واضح وبلسان فصيح بضع أبيات من شعر بابلو نيرودا وكأنه كان بينهم :

لا شيء أبدا يسلخ بعد الآن

الكلمة المغناة عن الشفاه

وكل شيء يقارن بالحرية التي لا تتجزأ

إننا نتكلم اللغة نفسها وتربطنا الأغنية نفسها

والقفص هو القفص

سواء كان في فرنسا أو في تشيلي

غير أن حكيما كورسيكيا كان يغط في نوم سحيق على كرسيه استيقظ مفزوعا، فسأل واستفسر عما يحدث، فأخبره من يجلس بقربه بما فاته، فقال - بعد أن حك ذقنه الخشنة ومسح على أنفه المتهدلة كعجينة من صفحة وجهه يستنطق مارد الكلام الراقد بتجاويف فمه الموصد منذ غادر ميناء قريته - بصوت خافت : " أمام رمال الدجل لا أفضل لك من أن تدس راسك بقارورة، وترمها ببحر، فكل هؤلاء متاجرون، وغرضيون، يلعنون الحكومة في غير ساعات الدوام، ويضاجعونها في أحلامهم، ويتوسلون رضائها في حانات يؤمها كبار ضباط البحرية، وقضاة المحاكم، والوشاة، فاحذروا من أصحاب اللسانين ومن ذوات الأربع".

غير بعيد عنه انتصب شاب ذو ملامح مارسيلية ليخلع قبعته تحية لسامعيه بعد أن اعتلى درجات مصطبة رخامية نصبت عليها بعض التماثيل النصفية لأبطال الثورة وشهداء الباستيل، مرددا -بحماسة لم تفقده رزانته أو أدبه – فأبدى موافقته لكلمات الحكيم بمقولة قال إنه التقطها من لسان ماري انطوانيت قبيل قطع رأسها:



 فيكتور هوجو   محكمة الثورة   ماكسمليان روبيسبير   ماري انطوانبيت

فيكتور هوجو , محكمة الثورة , ماكسمليان روبيسبير , ماري انطوانبيت



"أمام المقصلة ينبت لك عنق طويل ويبيض جبينك، تعتريك رعشة حياة جديدة، يتسرب إلى بدنك دفء غير معهود.. أحس الآن بروحي وكأن لها جناحين، وأدرك أن رأسي المقطوعة لا تساوي شيئا عدا أنها ترضي رغبات التوحش لأصحاب النفوس التي لا تحفل بمآثري في إسعاد الآخرين، فهي لا تملك غير ألسنة اعتادت لعق شعارات صماء، وأفواه تصب غضب بواطنها على كل من يقترب من طلاسمها، إنها نفوس لم ولن تعرف طعم البسكويت في فم طفل ولن تحس بأن الشعب يحتاج الفرح والهدوء كما هو بحاجة لرغيف خبز... وأن سؤاله المقدس الواجب جوابه سيظل كيف نحكم وليس مهما من يحكم؟ فالجدير بالثناء أن نلتحف الآمان في سرير الرخاء وأن ننعم بالمساواة أمام القضاة وأمام الفران ,, أن نحب الوطن ونخدمه في كل وقت ,,,

أن لا نتردد في التضحية بدمائنا لأجله عند عتبات النصر المزروعة بالحراب ...

فلتمنحكم السماء فسحة جديدة من العيش بسلام وعدل ,, سأصلي لأجلكم .....

صلوا لأجل الحب والسلام ولا تصلوا لأجلي........

لا أظن أنكم كنتم بحاجة لدمي

ولا لكل هذه النيران لتصنعوا قربانكم للحرية ولا أرى باريس بحاجة لكل هذا الحنق والصخب

ولا لكل هذا الزيت الآدمي المقدس وهذا الحطب من أجساد من تكرهون لتوقدوا مشاعلكم لكل العالم.....

الشمس تسكننا ضياء والله هو من صنعها وصنعنا......

يا شعبي الطيب، الوطن مصلى لكم ومحراب كبير لله..

مسكينة أنت يا باريس كم أحببتك وكم كنت ساطعة ! ............

16 أكتوبر 1793

--------------------

* "مهما كانت الزلزلة التي أحدثها نيتشه في أواخر القرن التاسع عشر ضخمة فلا يمكن أن نقارنها بالزلزلةالتي أحدثها روسو

قبل قرن من ذلك التاريخ ففكر نيتشه لم يصل إلا إلى النخبة العالمية، أما فكر روسوفقد وصل إلى أعماق الشعب."

مارك فومارولي

مؤلف كتاب: شاتوبريان الشعر والرعب الناشر

منشورات فالوا ـ باريس 2003

* شاتوبريان أحد كبار الأدباء في تاريخ فرنسا، عاش بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وعاصر الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789, كتب أعظم نتاجه في زمن الثورة بعد أن تلظى بنارها الغاضبة, جايل روسو واتفق معه في كثير من أرائه. هو من عرف عن روسو الذي تنبأ بالثورة قبل قيامها بعشرين عام, أن الثورة قد خالفت فكره وأنها اختطفت ناحية مسار لم يكن ليرضاه لها لأنه أحبها وديعة وعادلة.






->إقراء المزيد...

الفنان التشكيلي محمد بن لامين في بينالي فلورنسا 2009

M. Bin Lamin in Florence Biennale 2009

عدسة من هناك لعيوننا هنا

canon powershot

بن لامين في فلورنسا2009

يشارك الفنان التشكيلي الليبي محمد بن لامين في بينالي فلورنسا الدولي للفن المعاصر الذي تحتضنه مدينة فلورنسا الإيطالية هذه الأيام وهي المشاركة الليبية الأولى والوحيدة في هذا البينالي الشهير منذ انطلاقه، وقد جاءت مشاركة بن لامين في هذه الدورة وهي الدورة السابعة بناء على دعوة من صديقه الأمريكي الفنان التشكيلي البروفسور باولو لورنز عضو اللجنة العلمية للبينالي، وقد سبق أن دعت اللجنة المنظمة لهذا البينالي الفنان بن لامين للمشاركة العام الماضي ولكنه لم يتمكن من المشاركة لعدم امتلاكه لتكاليف السفر والإقامة.

binlamin.italy


ويذكر أن باولو لورنز من المهتمين بأعمال الفنان بن لامين التشكيلية وخاصة تقنيته الجديدة المبتكرة في الرسم كما صرح بذلك في كلمته عن بن لامين في الشريط المرئي التسجيلي الذي تم تصويره عن الفنان بن لامين أثناء البينالي حيث قام بعرض حي أمام الجمهور الزائر والمشاركين شرح فيها بن لامين طريقته المبتكرة في الرسم التي يسعى الآن لتسجيل براءة اختراعها عالميا.

binlamin.italy

binlamin.italy
وبعد انتهاء أيام البينالي غادر بن لامين فلورنسا إلى مدينة باسانو ديلا قرابا تلبية لدعوة صديقة الفيلسوف الجمالي الإيطالي المعروف إيتيلو تافيرنا في بيته ومحترفه حيث عملا معا لمدة يومين على فكرة وضع كتاب مشترك يتناول جماليا وتشكيليا صورة النور في كتاب مشكاة الأنوار لأبي حامد الغزالي وهو إنجاز سيكون له أثره الطيب لاشك.

2009 الفنان محمد بن لامين في بينالي فلورنسا
الفنان بن لامين الذي كان قد شارك في العام قبل الماضي بمنحوتته شمس الحب في ولاية شانغ شون الصينية على نفقته الخاصة وترك منحونة ليبية في أكبر حديقة نحت في العالم يشارك هذه السنة على نفقته الخاصة أيضا دون دعم أو رعاية من أي مؤسسة ثقافية أو جهة حكومية في ليبيا، ودون حتى أي تغطية إعلامية.

صور من مشاركة بن لامين بورشة النحت الدولية بالصين 2007

opening_ceremony07binlamin in china binlamin in china منحوتة شمس الحب للنحات الليبي محمد بن لامين معروضة بمدينة شونشون في حديقة النحت

تابع ايضا المتابعة على موقع جيل

الفنان التشكيلي محمد بن لامين في بينالي فلورنسا الدولي

للفن التشكيلي المعاصر

طالع الرابط التالي عن أحد اعمال الفنان محمد بن لامين التي عرضت في بينالي فلورنسا

http://emnetpalm.blogspot.com/2009/11/blog-post_15.html

->إقراء المزيد...

الاثنين، ديسمبر 21، 2009

المشواشي : عـبدالسلام العـجيلي

هو ظل فاجأه النداء

تركه معلقاً في آخر الزقاق

وهي عاصفة هودجها الغبش

عناؤها خيط من الرمل، وسعال قديم

فاقتربي أيتها العاصفة

هذا النافر وطن لأصابعي

وذلك القرمزي الصغير

نهر لمراكبي.

أنا المشواشي التعيس

سليل آلهة الرماد

أعرف كيف أنضج فاكهتك العنيدة

وأرسم الأدغال والطبول على أغطيتك الشتائية

أدعوك للرقص في مواسم العطش

وأرتديك في ليالي الجوع وجهاً ورغيفا

صدري تابوتك لألوانك البعيدة

بيني وبينك ملح بليغ

فكيف أكمل فيك أغنيتي؟

والمدينة ضيعت قميص نومها

وهبت نعاسها للمترفين

والخطا تساوم المسافات

بالوهم الذي تطاول على السفر.

أنا المشواشي

العائد من آخر الغزلان

فرشت لبكاء العالم قلبي الطري

تركت الأغاني محنطة في الجبال

وهبطت إلى الغبار

أساوم الحليب المجفف

وأبتسم لأقبح النساء

موزعاً بين المساء اليابس والتبغ الرخيص

مصوباً قصائدي المرتبكة

إلى عينيك البعيدتين

أنتعل ثـقباً في الصباح

أهرّب في جيب الظهيرة قبلتي

أقترح عظامي حطباً لمساءات الرحلة

فاقتربي أيتها العاصفة

هذا الزقاق ما عاد يتسع لرؤوسنا

حذائي ما عاد يسمعني

بريدي بوح ثقيل

لا تحمله الريح

يسقط قبل المعارك.

->إقراء المزيد...

من لا يعجن لا يخبز إلا الفران !!

الحبيب الأمين

بقلم الحبيب الأمين

الكل في رأسه ألف دعوة للعشاء مع الكوابيس الجائعة والنوم معها ..

لا أحد يفطر مع أحلامه المشرقة ويحظى برفقتها لنهار كامل ,,

ربما قلة منهم يفعلون ,,

حتى هؤلاء يلتقطونها صدفة بيقظة مزيفة ,,

الأكثر توافقا مع الزمن هو من يحلم بالسفر مع السنابل

فلا ينتظر قوافل الدقيق أن تحط بسريره....

قراءة في مقالة الكاتب محمد مليطان

" ليبيا.. بين الإفتاء السلفي وحقوق الإنسان "

اقتباس:

(( تعيش ليبيا في السنوات الأخيرة أجواء إعادة ترتيب البيت الليبي، عبر عدد من المراجعات للسائد من مفاهيم وأطر وتكوينات لها علاقة بالسياسي أو الثقافي أو الديني، هذا التحول، الذي لايزال في طور المخاض، يندرج من ضمن ما يطلق عليه «مشروع ليبيا الغد»، الذي يقوده سيف الإسلام القذافي، وهو مشروع يوصف بأنه «إصلاحي». )) .... انتهى

السجال هنا يطرح إشكالية أكبر وهي أن يجنح البعض للقولبة بأطر واصطلاحات لم تقعد عندنا ولم نتفق إزاءها ولم تبتدعها أفكارنا أو بناتها لنلوي أعناقها .فالحداثة وما بعدها والليبرالية والعلمانية كلها تيارات وافدة لم تتوطن ببيئتنا المنفرة وظلت خجلة ووجلة إن لم نقل مرعوبة بحلوق وجماجم من طافت به قشورها أو حتى من طاول لبها كي لا نظلم أو نظلم فهذه الأيام الكل مترع بمشروب التربص وضاج بفكرة النظر بثلاث أبعاد ...

ازعم إنني بوعي معقول لتفهم مخاوف الكاتب التي عبر عن بعضها بظاهر السطور وترك لنا خيارات أخرى للتمادي مع الخطوط العريضة بمفاكرة تتجاوز حجم السطور وعددها .. حتى إننا تورطنا بخارطة المأزق بين قضايا ثلاث ( الإفتاء لسان حال السلطة الدينة , السلفية كمرادف للماضوية ونابذ للحداثة , حقوق الإنسان التي أفردنا لها أسبوع كامل زارنا فيه بعض رسلها لاستجلاء عشرات القضايا في عشرات السنين ) بعضنا رآها مفزعة وبعضنا وظفها للنقد وآخرين ربما لازالت تعتمل برؤوسهم وتناوش أقلامهم أو تتخبط بجباههم ..

أيا كان حالنا لعل التسبيب للمقالة الجديرة بالجدل يحملنا على الاعتراف بأننا في بلاد لم تفتح بعد ذهنيتها للوراقة الكونية ولم تترسخ فيها مفاهيم عملياتية للعيش بين الذات والأغيار بأريحية في الرفض والقبول والنقاش لما ينتجه ويناقشه الفكر الإنساني المعاصر , بل حتى ما يشغل الفكر في محيطه العربي الأقرب لطبيعة قضايانا وكيمياء أزماتنا , وهذا ملمح فج وتمظهر عجيب للانزواء والركون والخمود لدورنا الذي لم يشتعل بعد, فنحن بعيدون عن فقه الواقع وفكر الزمان بذات المسافة ولازلنا نلوك منتجاتنا الاصطلاحية والشعاراتية وللأسف لم نشبع منها بعد !, حتى إن تطبيق ( أعرف وأطلع وأختر ما شئت وانبذ ما شئت ) يبدو امرا مستحيلا أمام عضات نواجذنا على تلابيب الفشل في التعاطي بل لم نستطع حتى حصد فائدة ما نخلت الخبرة المعرفية بغربال التجارب عبر المثل التربوي الليبي ! " اعرف واترك ! " ولنضف له تحديثا قسريا " ما يهمك شيء " ..

لا أظن أن الصديق محمد مليطان قد تبنى كل تلك الوافدات من الممنوعات الروحية والعقلية بمأوى يخصه للادعاء بأبوتها ونسخها بكتيب عائلته الفكرية ,, فلا هو بالذي أعلن التزامه بها شكلا ومضمونا أو بالذي اجبرنا على قبولها عنوة لنحاسبه بما قد يراه بعضنا أو جلنا فيها كشر مطلق وإلا فذلك يجيز له القول بما يراه وهو حرا فيه كما صدر البعض بفهمه رأيه كفتوى ماحقة لغيره .

إن الحديث عن نبش فكرة عودة المفتي المغيب بالاستحسان أو الرفض لا يقدم معول لهدم الحداثة أو إقامة أركان الدين والعكس صحيح . تظل المعايرة الصحيحة قائمة على أساس الدور ومن طبيعة الممارسة , فهاهي المجتمعات الغربية الكبرى ( أمريكا , بريطانيا, فرنسا , ألمانيا , ايطاليا .. الخ ) تنشط فيها الجماعات المسلمة الأصولية والوسطية والمتطرفة بما يفوق المتطلب التعبدي والشعائر المقدسة إلى الخوض في الشأن السياسي المحلي والدولي وبدرجة من الحرية تفوق بسنوات ضوئية ما هو موجود تحت أي مئذنة بديار المسلمين , كما أنها أفرزت من الزعامات المشيخات والدعاة وتفشت بينها لجان الإفتاء وهيئات الإرشاد والتحريض والدعم والمساندة وحتى خلايا نائمة ويقظة لدعم المقاومة الإسلامية بالمال والمهج ,,, كل هذا حدث في فضاءات الحداثة تلك وفي محاضن ومناجم الليبرالية هناك . فماذا حدث ,, حتما لم تقوض الديمقراطية الصليبية ! بعنجهية الهلال ! كما يولول اليمين الأوربي والرسميون العرب.. ولم تتعلم طيور المسلمين المهاجرة إلا المزيد من دروس الحوار بهدوء والتوطن بسلام مع المقارعة بالحجة والجلوس إلى طاولات المبارزة بالرأي وهذه قيم ومسلكيات حبذا لو نقلها الشيخ المهاجر والمفتي ما وراء البحار بأقاليم الليبرالية والديمقراطية إلى نجودنا القاحلة وفراعنتنا الأشاوس بذات الهدوء والقبول بالآخر دون ولاية حصرية على الدين والدنيا أو تنظير للقناعة بالفقر والصبر على الظلم ومهادنة الاستبداد بأقراص الإصلاح الطويلة الأجل أو بالدعاء فقط اللهم أصلح ولاة أمورنا ..

إذن المخاطرة ليست متاحة للمغامر بتلك البلدان طالما الدولة مؤسسة والقوانين مرعية والكرامة محفوظة للمتدين والمتجرد ما لم يدنس المقدس المحمي بقانون وسلطة الدولة أو يحطم القواعد بعبثه خارج نطاقات اللعب.. أيضا قد تبدو للبعض جمالية وعصروية المطالبة بقيام دولة القانون والمؤسسات - ( منزوعة الدسم الديني ! أي بدون مفتي وهو أمر مستدق وضئيل الأثر إن قصد به القياس كدرجات ريخثر لأي زلزال مجتمعي مرتقب) – ممارسة للاستعراضي في وطن متخلف يروقه أن يدخل عليه كمروض للماضوية المتوحشة بعصاه السحرحداثية غافلا عن مواطن وبواطن شتى ربطت فيها الحبال ناحية الهاوية الأكثر تعصبا وتخلفا .فالحداثة في وظائفية الدولة ووظيفتنا كمواطنين بمجتمع مدني وما يستتبع وجودها من دستورية للحريات وتنظيم الحقوق للإنسان كمواطن وواجباته حيالها أمرا جد مشروع بل ومشروع مرغوب تكريسه لكنه وليس بالضرورة أن تأتي مناقشته على صهوة مفردة واحدة وجريا حول منصب بعينه . فالموضوعة – وأظن إن مليطان يعي ذلك - تقترح المزيد التفصيل والتحليل وليكن فيها فضل فتح الباب لمقالة مليطان الذي يروقني الاختلاف معه هنا في جزئية العرض وليس بكتلة الرأي ولنا من الود أرصدة لا تستنزفها ملايين المقالات . أما الخلاف فقد تبرعنا بحصصنا منه للمخاصمين بغرض ..

إن التحديث كمنهج لمشروع حضاري لا يستقيم إلا بتوفر شروطه ومقوماته كافة - " فكم هي المناصب التي نحتت وصنمت ولم تحظى بكل هذا الرفض الشامل " - وأن يقحم القياس برمته على قضية طفت مؤخرا على السطح الليبي المهشم وهي ليست إلا إشكالية ضمن إشكالات عدة وعميقة ومستعصية على رجالات الحل والعقد وعاجزة عن المرور للوصول إلى عتبات حداثة الدولة ومأسسة الحياة العامة وتقنينها, فعلى الرغم من تماس طرفي تيار السلطة وتيار الإخوان ,الجهاديين والسلفيين مقاتلة ومهادنة في منظومة للتعالق الظرفي الجذب والمشتغل بطاقة الود والارتياح المزدوج في إطار حملة تفريغ الاحتقان وتفريغ الزنازين ولا نعرف له من أجندة واضحة كمشروع للمصالحة الوطنية الشاملة أو نهاية وتوصيف غير الرصد والتكهن إلا أن الانعكاس ظهر واضحا في مرآة ضخمة حملتها " قرني كبش العيد الأخيرة وصلاتها بجمعين تناطحا في يومين على التوالي " كانت فيها للوجدان الشعبوي الليبي كلمته الأولى والأخيرة والتي غلبت قرارية السلطة وبراغماتية التيارات جميعا. ولم يكلف المؤمنين غير " مسج " بعشرة دراهم فقط لا غير …….

من تلك الخلافية البائنة انطلقت وربما لأول مرة تداعيات ما قبلها من احتقانات ومشادات وسجالات متشابكة " مشائخ , قيادات إخوانية ومعارضة ونشطاء حقوقيين وكتاب مستقلين إعلاميين حكوميين وشبه حكوميين إلى غير مصنفين وآخرين لا نعلمهم الله يعلمهم وهي مرشحة للتصعيد في مقبل الأيام على أكثر من قضية ومسألة " يمكن القول أنها وطأت ومهدت للخطاب بسفور والحجاج بحدة بين ما يصعب وصمه - بالراشح من كم الشفوي والمدون في شكل مواقف أو مقالات- بالعقلانية الصارخة أو بالعلمانية المستوفية شروط الضلالة والكفر ( يمكن مراجعة تعليقات كثيرة رشقت بها صفحات المواقع الليبية حول الدين والعلم الفلك والفضاء الشيخ والعلم السلطة الدينية والسلطة السياسية , المفتي وولي الأمر الرعية ومخالفة الولي .. الخ ) بحسب تقييمات البعض أو بالصور النمطية المستوردة لمقامات وطروحات العداء الليبرالي العربي – التي ليس لنا في ليبيا أي إسهامات معتبرة فيه منذ حقبة النيهوم الجريئة " رمزية الفقيه " واللامتناسقة مع كرونولجيا الشواغل الثقافية الليبية أو تقاليدها المحافظة إضافة إلى ضراوة المواجهة مع مسطرة التصريح المسننة - للنسخة الثيوقراطية العربية ممثلة " بحماس وحزب الله المحاربة من السيرفر الحكومي الرسمي بشتى محركاته ",,, بالطبع مررت من هنا وهناك بعض المواقف والقضايا بأصولها وفروعها فوق وتحت بوابات السطور وبتقيات عدة على هوامش الستر المكنون أو في متون الفضح المضمر منها والمكتوب وهي أساليب كتابة تبدو مقنعة ومجازة وسط سياقها المكاني والزماني لتلقي برسالتها دونما تلامس أو تسخين لأي سقف ساخن في حينه غير الذي تقصد حرقه ..

سعفات إمنت

مصافحة طنطاوي لبريز ,, قالوا عنها الكثير وظلت الأصابع مسلطة نحو العمامة

شيخ الأزهر في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية

يقول :

" إن اختيار "أوباما" لمصر يؤكد المكانة الكبيرة التي تتمتع بها مصر في العالمين الإسلامي والعربي، وإن "أوباما" يرى أن مصر هي الدولة ذات المكانة الهامة لحسن سياستها، وقد اختارها لتكون أول دولة عربية يوجه منها رسالته إلى كل دول العالم الإسلامي.وأعرب عن أمله أن يكون الأزهر "باعتباره منبراً للوسطية الاعتدال وللحضارة الإسلامية المكان الذي يوجه منه الرئيس الأميركي خطابه إلى الإسلامي "

فعلى الرغم من مقاربة البعض لمنصة القول بجبة وعمامة ولأهداف سجلت بغرضية مبيتة تقفز على الفوائد الظاهرة إلى ما وراء الغنيمة المؤجلة , إلا أن علو الصوت المنبري من هذا أو ذاك وصمت الناطق الرسمي لا يجيز النسخ واللصق من حالات ليست على قياسنا في الراهن على الأقل للغلو في التطرف والاستقواء في التصرف بشأن ديني وجداني قد يحدث فيه مبضع الجدال جروحات لا تلتئم وقد ننزف فيه من الحبر وحتى ماء الوجه أكثر مما يستحق فلا نكشف لذواتنا بالنتيجة إلا عن أناوات هزيلة وحوار مبتذل ومعركة لا تستحق أن نخوضها بالنيابة !! ولا تحتمل أن يزج بها في خضم الحجاج بين العقل والدولة والحداثة من جهة وبين الهواجس المضخمة تجاه أن تتحول ليبيا التي نعرفها جيدا !! إلى ( إمارة إسلاموية أو ولاية الفقيه أو سلطنة لمفتي القفار ) فكلنا عارف بتكتيكات اللاعب الليبي وأبعاد الملعب وأطياف الجمهور ... وتاريخ الأهداف والمباريات السابقة ...

يبدو لي أن الأمر قيد التجاذب إن رد إلى غمده سيكفيننا شر الجدال بامتشاق الايدولوجيا أو " القولوجيا " كما يشاء البعض كأصابع قد تهدد حدود بعض الأفواه أو تخرسها وهذا لا يقصر لسان أحد أو يطيل آخر فيظل المعنى الراسب أننا نمتلك قدرة النفخ بكلماتنا في أطلال المشهد الجامد أو أن نحرك غبار ساكن ( نحتاجه بلا شك ) أو حتى أن نزرع بعض الأفكار الطيبة فيشيطنها البعض برؤوس حرثها المكر ممن يبحثون عن خرم بإبرة للولوج للواقع المرقع والشارع " المشرط " لحياكته على مقاسهم .. كما أن فهمي لرأي العزيز محمد مليطان تلخص في رفضه لصورة المفتي الفرد كمنتج عتيق يخشى أن يبعث بكل تجلياته وكبواته المتورخة ببعض الميادين والأحداث والبلدان – دون إمكانية له للتوافق بنسخته المفضلة رسميا عبر التاريخ من طرف الحكمانية العرباسلامية ومتطلبات الدولة الحديثة القائمة على دساتير ومؤسسات وفصل للسلطات وبما لها من منظومة للحريات العامة والخاصة - التي لم يكن فيها المفتي كشخص عند مستوى الدفاع عن الدين أو الأمة بل كان اقرب لمانح صكوك دينية ومبتدع تخريجات سلطوية ومكرس لظلمية الأقوى المستبد , هذه الصور* جميعا نتفق على رفضها ولا نرغب بوجودها بالواقع أو ببعثها من ركام الرجعية ولكن تبقى منها أيضا صور أخرى لمن لا يتذكر صور بعضن مشايخ وقضاة ليبيا إبان الاستعمار الايطالي فمنهم من كان مداحا عرابا وقال في المستعمر ما لم يقله كرادلة الفاتيكان الذين عمدوا أولى سفن الغزو على ليبيا . كما أن هناك من مشايخ ليبيا وعلمائها من جاهر بالحق وجاهد بالنفس واللسان والقلب ..

سعفات إمنت

على الرغم من إطلاق مليطان للمطلق دون تفصيل تنازل عن حقه فيه لصالحنا ومارس التعميم بالحكم دون قصد إلا لاستثارة أحكامنا, إلا أن هذا الرفض لمخاطر المنصب على حقوق الإنسان أو غيرها يستدعي صور قمعية أخرى يمكن أن يصبح فيها للمنصب ذات المخاطر ,, وهي صورة يمكن سحبها على رئيس البلاد ورئيس الوزراء والوزير والقاضي والمحافظ والوالي والموظف العام والشرطي والغفير كونهم جميعا يملكون سلطة المنع والقمع وبدرجات متفاوتة , بل أن هناك من غير المصنفيين من جمع بيمينه سلطتي الزمان والمكان بطريركيا مبجل والكل أقنان بقامة وهامة علوية لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يسمع ويطاع ويفتي ولا يستفتي .. !!

إذن يظل الخوف مقرونا بشخص المفتي وممارساته وليس بالإفتاء في إطاره وسياقه وغرضه وهذه مسألة شرعية يحتاجها الناس وظلت موجودة بوجود المفتي كمنصب أو بدونه . وهذا في رأي لا يتعارض مع القول بمشروعية إعمال العقل والقبول بالحداثة , فأن تكون هناك هيأة , لجنة , مؤسسة مستقلة وغير معنية بالتجاذب الطيفي أو السياسي ولا تشتغل بهما أو عليهما ككهنوت بل ترعى الشؤون الدينية للمواطنين كأي مؤسسة مدنية أخرى للشؤون الاجتماعية أو الرياضية أو الثقافية وضمن إطار عام للدولة الحديثة التي ننشد الوصول اليها دونما الخوض بالمرجعيات كافة والصب على زيتها من نارنا - ( وهي لاهبة بذاتها ومتأججة هذه الأيام والكل يحمل كبريته بجيبه ) – وحتى ذلك الحين الذي نجرؤ فيه على الكتابة بحبر المرجعية وأقلام التيارات والمدارس والأيدلوجيات والعودة لبيوتنا والخروج ثانية دون رقيب أو حتى طلب استجواب , لننتظر نضوج عجينتنا كمريدين لهذا التيار أو ذاك , وأن لا نلطخ بعضنا بما لم يثبت بالإشهار والممارسة وعلى " عينك يا تاجر " فمنذ أشهر قليلة انطلقت موجة الاحتدام وحمى المواجهات وكأننا في حالة اصطفاف جديد وتمترس غير مسبوق وهذا شيء محمود على كراهته بالنسبة للخاسر في راكدنا المعتم والعامر بالنقيق ,, وإن كانت الخشية مازالت شاخصة بعيونها على الضفة المقابلة ننتظر وصولنا بسلام إلى مائدة الحوار المتمدن بأقل قدر من الهذر والهرف ودون أن تستبيح الجميع هوجة القصف والقصف المضاد فلا نرى ما يتسرب تحت تلك الطاولة والذي قد يبتلع قطراته في صمت ليصنع السيل العرم ..

إن ما نحن فيه لا يكثفه كمعنى ويعنونه كمرحلة " بالانتقالية الحساسة " إلا كلمات تلك المقولة العامية الشهيرة ( الكل يدني النار لرغيفه .. فكم هو سعر الرغيف اليوم وما هي أنواعه المتوفرة وكم من الوقت يحتاج لينضج ؟

.. عند الفران تجدون الخبر اليقين .

-----------------------------------

*/ صور نصية من حملة نابليون بونابرت على مصر

" الإسلام كالمسيحية تفسدهما السياسة ويلعب القائمون عليهما بالنار إذا تخطوا حدود أماكن العبادة لأنهم يتركون مملكة الله ويدخلون مملكة الشيطان‏.‏ " ....

نابليون بونابرت

في تموز 1798 وصل نابليون الإسكندرية ..ووجّه في اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، كما أصدرت الحملة نداء إلى الشعب بالاستكانة والتعاون زاعمة أن نابليون قد أعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامي الإسلام ...

"بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله وحده ولا شريك له في ملكه...

أيها المشايخ والأئمة...

قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام ، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني ..أدام الله ملكه...

أدام الله إجلال السلطان العثماني

أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي

لعن الله المماليك

وأصلح حال الأمة المصرية".

أصبح نابليون بونابرت حاكما مسلما اسمه "بونابردي باشا"، وكان يطلق عليه المسلمين أسم علي نابليون بونابرت، وكان يتجوّل وهو مرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب. وكان يتردد إلى المسجد في أيام الجمعة ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية بالصلاة، وكوّن نابليون ديواناً استشارياً مؤلفاً من المشايخ والعلماء المسلمين مكونا من11عالما ويرأسه الشيخ عبد الله الشرقاوي. إلا أن أغرب الوثائق هي وصيته لكليبر التي يقول فيها‏:‏ إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم‏.‏

هناك رسالة تهنئة بتاريخ ‏26‏ فبراير‏1799‏ تحت رقم‏4262‏ للجنرال مينو علي قيامه بإلقاء خطبة الجمعة كمسلم في مسجد غزة في أثناء الحملة علي الشام‏,‏ ويقول له‏:‏ إن أفضل الطرق للحفاظ علي السلم في مصر هو تبني عقيدة الإسلام أو علي الأقل عدم معاداتها واجتذاب ود شيوخ الإسلام ليس فقط في مصر بل في سائر العالم الإسلامي‏.‏

وهناك وثيقة أخري رقم‏3618‏ بتاريخ‏4‏ نوفمبر‏1798‏ يوقع فيها بونابرت علي قرار عسكري بأن تدفع فرنسا رواتب شيوخ الديوان‏,‏ وهم الشيخ إسماعيل البراوي والشيخ يوسف الموصلي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ سليمان الجوسقي والشيخ أحمد الشرقاوي‏.‏ ويبدو أن هؤلاء لم يكونوا قد انضموا إلي علماء الديوان في تكوينه الأول‏.‏

http://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=18741&section=1

->إقراء المزيد...
Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art