الأربعاء، أكتوبر 19، 2011

جيل القطيعة / بقلم سالم العوكلي



عدة أسئلة تطرحها هذه الثورات التي انبثقت من وسط اليأس وبشكل فاجأ العالم برمته؛ الثورة التونسية والثورة المصرية .. من أين انبثقت أسطورة هذا الجيل؟ وهل ثمة مقدمات كانت توحي
بهذا الانفجار الثوري العفوي والمنظم في الوقت نفسه، بشكل أذهل الجميع ؟
ولأن الأسطورة محاولة لحقن التاريخ برغبات المخيلة الإنسانية، فإنها في هذه الحالة تحققت حين ضربت حدس التاريخ في الصميم، وهشمت بعفوية مطلقة يقين السياسي وحصافة المخططات الإستراتيجية المتقنة .
فمن أين تأتت استثنائية هذا الجيل الذي كم كان هدفا للتهميش وللتهكم ولفقدان الثقة فيه ؟ كيف اختلف ؟ كيف فاجأ العالم ؟  تطرح هذه الثورات مزيدا من الأسئلة، لكنها في الوقت نفسه لا تكف عن اقتراح الإجابات.
لقد ورثت الأجيال الطليعية السابقة ميراث المرحلة وسردياتها المطبقة، وكل نزوع فتي إلى التغيير كانت تمتصه الخيارات الأيديولوجية السائدة، وتروض بحكمة السياسي المحنك نزقه، وتصدر أزماتها إلى جموحه فتخفت رويدا رويدا غنائيته الثورية.
كانت أجيال حالمة لكنها مثقلة بعبء الماضي وكوابيس المغامرة غير المحسوبة، أجيال ولدت وتربت في وقار المجتمعات الأبوية التي تتغنى بالقناعة والطاعة لولي الأمر، فلا تملك إلا أن تسبل أجنحتها لتلك السلطات الأبوية المركبة والمتداخلة، البيولوجية والاجتماعية والدينية والسياسية، سلطات تمتد من نظام الأسرة إلى نظام الدولة، من الأب البيولوجي إلى الحاكم بأمر الله، فكانت الوصاية ومديح الحكمة وهواجس الاستقرار ونظريات المؤامرة حائلا أمام تطلعاتها، وكانت الأسرة دولة عرشية صغيرة تنمو فيها طقوس الطاعة والامتثال لأي سلطة أبوية .
ومع عقد التسعينات، ومع ضيق المكان وضيق الزمن، أنزاح الوطن إلى حيز صغير هو الجسد، فصار ثيمة الإبداع والفن وخطاب المرحلة ووسيلة التعبير المتاحة، تلك المساحة التي أشعلها في تونس الفتى بوعزيزي القادم بعربة خضاره من هامش الهامش، فقدمه قربان كرامة ذُبحت بصفعة شرطية على رصيف في مدينة على هامش الهامش، لم يكن جسده مؤدلجا، ولم يطوقه بحزام ناسف ليقتل الأبرياء، لم يكن يرغب في أن يكون شهيدا، ولم يفكر في عواقب الانتحار مثلما اجتهد بعد موته الفقهاء واختلفوا . لم يكن يريد سوى مساحة متر مربع في وطنه ليحصل على قوت عائلته، وحين منعت عنه أحرق نفسه ليتخلص من جسد يعرضه للإهانة وتسلب كل يوم كرامته عن طريقه، وكان القشة التي قسمت ظهر نظام بوليسي شامل برمته . كان في الهامش ولم يكن له وطن سوى تلك المساحة الافتراضية في موقع الفيس بوك الاجتماعي الذي ترك عليه وداعه الأخير لأمه .
منذ العقد الأخير من القرن الماضي كان ينهض جيل آخر متقوقع على نفسه، ومعزول عن الصراعات السياسية والأيديولوجية، أو هكذا كان يبدو ونحن نراه منكفئا على شاشات الكومبيوتر، أو عبر انعزاله في تلك الغرف الضيقة في مقاهي الإنترنت أو في البيوت، يقضي جل ساعات يومه، معطيا بظهره لكل شيء، ولا شيء يتحرك فيه سوى أصابعه على الكي بورد أمام تلك النوافذ الضوئية المفتوحة على العالم .
كان جيلا جاذبا لتهكم الأجيال السابقة، توحي عزلته الإلكترونية بأنه فارغ وعابث وغير منتم، ولا قضايا له .
لكنه عبر هذا الانكفاء كان يرضع ضوءا لا نراه، وعبره تتشكل ثقافة جديد ووعي مغاير، أهم ما كان يميزه تلك القطيعة مع الأجيال السابقة والفرار من وصايتها ومن أزماتها.
لذلك بدت هذه الثورات مفاجئة وغير متوقعة حتى لأكثر دراسات مجتمعاتنا السوسيولجية دقة ورصانة.، وبدت ثورة هذا الجيل، بنظامها وسلميتها، ملهمة، وبدت آراؤه الواعية صادمة لأذهاننا، بشكل يجعل من كل ذلك حدثا يشبه المعجزة، يحاكي الأساطير .
هذا الجيل في الواقع لم يفاجئ نفسه، لأنه كان يتشكل على مهل، لكنه فاجأ نظاما بطريركيا تجذر عبر قرون وأيقن من قوته، و من طاعة الأبناء .
البعض يسميه جيل العولمة، والبعض سماه جيل الفيس بوك، والبعض سماه الجيل الرقمي، وهي تسميات تسعى لتفسير المفاجأة، لكن أهم ما يميز هذا الجيل أنه جيل المستقبل، بمعنى أنه لا يتحدث سوى عن الوطن والمستقبل، ولا يحمل أي دوافع ماضوية لحيويته، ولا يدين لأي تشكيلات سياسية أو حزبية تستمد مرجعبتها من إرث الماضي، قومية أو دينية أو اشتراكية أو لبرالية أو غيرها، وبقدر ما كان ينظر إلى الماضي بازدراء منهجي، بقدر ما كانت ملامح المستقبل تتضح أمامه . إنه جيل غنائي بامتياز لا يجمعه سوى حلم وطني بحياة أفضل .
الآباء السياسيون اعتبروا هذا السلوك الصبياني شقاوة أولاد أو (تسلية)، ويمكن إسكات هؤلاء الأولاد  ببعض الحلوى أو بوعد بجولة في الملاهي . ليدركوا في النهاية أن الأمر أكبر مما يتصورون، وأن هذا الجيل (سيئ التربية) - بالنسبة لهم - هو خلاصة الثورة المعلوماتية وخلاصة الإحباطات والوعود الزائفة، التي أهم ما فعلت أنها جعلتهم ينفصلون عن وصايا الآباء وحكمة الكبار، فتجلى رفضهم لمجتمعاتهم الطبيعية في اندماجهم في تلك المجتمعات الافتراضية، حيث العلاقات غير المرئية تمتد أفقيا دون حواجز ودون حدود، فكان اندياح المكان سبيلا لانزياح الكثير من القيم التي تثقل جموحهم ورغبتهم في الحوار دون رقابة أو شروط، كما شكل هذا التواصل نافذة أوضح لرؤية المستقبل دون تشويش الأيديولوجيات، أو الالتزامات الاجتماعية، أو أوهام السيادة الوطنية التي بذريعتها صودرت كل رغبة لديهم في الانفتاح وأثمت . كان تحطيم المكان مدخلا لتحطيم المفهوم الجغرافي المحض للوطن ليحل مكانه الكرامة كمفهوم جوهري لمعنى الوطن .
ولذلك نرى الحوار الآن بينهم وبين الأجيال السابقة حوار طرشان، لأنه بين بنيتين ثقافيتين مختلفتين، حاول أن يروضهم بن علي بإعلانه فهمه لهم وهو في الواقع لم يفهمهم إطلاقاً، وحاول حسني مبارك بخطبته العاطفية أن يطرح نفسه كأب تمرد عليه أولاده ونكروا فضله، لكنه لم يعرف أن العيال كبرت وأن عليه أن يترك لهم الطريق ويركن إلى كتابة مذكراته.
ولم يعرف أن مفهوم الأب المقدس لم يعد يعني لهم شيئا وهم يفتحون عيونهم على الحاضر والمستقبل. وأنهم طيلة هذه الفترة كانوا يعطون يظهورهم لمؤسسات الإعلامي الرسمي التي كان شغلها الشاغل تأكيد هذه الأبوية، وبث مزيجا من الرضا والخوف في أرواح الناس.
قدم هذا الجيل دروسا في القطيعة مع الثقافة السابقة، دروسا في الشجاعة، في التنظيم، في الاحتجاج السلمي، وفي الوعي، وبدا نجاحه مذهلا للعالم المستبد والعالم الديمقراطي في الوقت نفسه.

والتناغم الذي حصل أن هذا الجيل الذي رضع من الثورة المعلوماتية، هيأت له هذه الثورة نفسها، وعلى مهل، المناخَ الذي يستقبل مغامرته المحسوبة .
فبعد عقود من زخم هذه الثورة المعرفية، ومن العولمة وانحسار الحدود، وضرب مفهوم السيادة الوطنية، وتحرر وسائل المعرفة والتعبير، وفرار الصحافة من سلطة الورق والمؤسسة ليصبح كل فرد من هذا الجيل صحفيا، بعد كل ذلك أصبح استمرار الأنظمة السياسية الشمولية والدكتاتورية مجرد خرافة تجاوزها الزمن وتعيش أيامها الأخيرة، لأنها كانت تستمد جبروتها من العزلة، ومن السيطرة على المعلومة والخبر ووسائل التعبير . ومثلما أنهى العصر الصناعي سلطة الإقطاع ليبدأ عصر الجمهوريات، سينهي العصر الرقمي سلطة الدكتاتوريات المتأخرة، ليبدأ عصر الديمقراطيات الجديدة .
جاءت الثورة التونسية ملهمة، والتي تعتبر الثورة الثانية الملهمة بعد الثورة الفرنسية، وما بين ذلك عديد الثورات التي لا تخلو من التباسات جعلتها عقيمة، فألهمت الثورة في مصر ولتغدو ثورة مصرية وبروح مصرية، حيث الصلابة والصبر وخفة الدم التي ظهرت في تلك اللافتات الفكهة وحفلات ميدان التحرير، والتهذيب في أقصى درجات الغضب الذي يجعل الغاضبين يقولون: على (السيد) الرئيس أن يرحل . أو (سيادته) لازم يتنحى. إنها نكهات محلية جعلتها ثورة مصرية بامتياز، والنظام من جهته كان بستدعي صورا من تراثه القمعي مستخدما البلطجية والفتوات .
مثل هذه الثورات لا تتوقف عند حد وكل شعب تلهمه يصبغ عليها روحه وهويته، لأنها تملك كل عناصر الإلهام والتصدير في داخلها، ليس على المستوى العربي فقط بل على المستوى الكوني، هذه الشحنة من الإلهام التي جعلت أوباما يقول: (أن ثورات الشباب في مصر ستلهم شباب العالم وحتى في أمريكا نفسها). لأنها تمثل قطيعة جيل كوني مع وصايا الآباء وميراثهم، ولأنها تشكلت في كنف شبكة معلوماتية جعلت من العالم قرية، ولأن ثمة أجيال غاضبة، في كل مكان، من التهميش، ومن تلاعب الميديا بعقولهم، ومن الحروب، ومن أشباح الأزمات الاقتصادية .
أجيال تتحاور وتنشيء الصداقات، وتعرف أن كل ما روجه الآباء من أقدار ما هي إلا تواتر أزمة تاريخ يعيد إنتاج نفسه في جغرافيا لم تعد كما هي .. صراع الأديان والأيديولوجيات أو صدام الحضارات أو تضارب المصالح، ما هي إلا أوهام يتم ترويجها من أجل تكريس سلطة الأقلية المستفيدة من هذه الصراعات . لأنه جيل كوني بدا يدرك أنه أمام أخطار مشتركة تهدد وجوده بالكامل مثل التلوث البيئي وسباق التسلح . لأنه جيل تربى في كنف التحاور المباشر دون وسيط إعلامي وبعيدا عن تحذيرات الآباء من الخروج إلى الشارع أو من السهر أو من رفاق السوء . جيل خرج من القمقم ولن يعود إليه .

وهذه المرة كان الآباء يأكلون الحصرم والأبناء لا يضرسون

كاتب وشاعر من ليبيا

........................
هوامش :
ـ فتاة مصرية تقول أنها أول مرة تخرج إلى الشارع دون أن يتحرش بها الشباب .
ـ شاب مصري يقول: نصف ثورة يعني أن تحفر قبرك بنفسك .
ـ وائل غنيم يقول: في الأمن المركزي وجدت ضباطا يحبون الوطن، ونحن نحب الوطن، لكن النظام المستبد جعلنا على طرفي النقيض .
ـ حقوقي تونسي بقول: أخذت عهدا على نفسي أن لا أطلق على بن علي إلا جملة الرئيس السابق .
ـ خبر موثوق به يقول أن أولاد بعض السياسيين النافذين موجودون في ميدان التحرير .
ـ لافتات من ميدان التحرير: (ارحل يا حسني عاوز أروح الحمام)، (ارحل يا حسني عاوز أشوف مراتي).
ـ فتاة في ميدان التحرير تقول لمذيعة مصربة: عمرك شفت ثورة بخفة الدم ديه؟
ـ أحد البلطجية يقول: أولاد الكلب جعلوني أحارب شقيقي في ميدان التحرير.
ـ شاب فوق صارية مرتفعة في ميدان التحرير يحمل علم مصر وعلم الفيس بوك .
 



->إقراء المزيد...

حتى لاندخل المتاهة !؟.. د. محمد المفتي

 

مدننا هانئة ولا شك .. إذا قسـناها بازدحام السيارات، والدكاكين المفتوحة، تتوفـر بها خدمات وسلع .. وأخيرا ازدانت مدننا بعودة الأطفال إلى مدارسـهم. ولكن ثمة تيار خفي ومعـتـم يلوح في باطن الأشــياء ويبعث على التساؤل بل والتشاؤم.

مؤخـرا، كتب الصديق نور الدين الثلثي في مدونته " هرمنا":  ‘‘ مجالس محلية ومجالس عسكرية وكتائب وسرايا بمختلف المسميات ورجال يجوبون شوارع المدينة حاملين السلاح. ساهرون على أمن المواطن والمنشئات. ونسمع هذه الأيام باختلافات واصطفافات بين هذه المجموعة وتلك... هذا من طرابلس وذاك من خارجها... هذا معترَف به من المجلس الوطني، والآخر؟ كلّ الثوار من أيّ بقعة من الوطن جاؤوا، سواء حازوا على ’اعتراف‘ أم لم يحوزوا، ومعهم الآلاف من ممّن استُشهدوا، رجالٌ يدين لهم الوطن بتحريره من الطغيان. ولكن الجماعات المسلحة تحتاج إلى تنظيم، وأن تنضم جميعا تحت مظلة الدولة بجيشها وقوات الأمن فيها، إذا أردنا إنشاء دولة ’’. 

على المدى البـعـيد، لابد أن يكون هناك " تنظيم" بشكل أو آخر، لكن الفارق هـو طول المسيرة. وإلى أن نصل إلى الغاية المرتجـاة، هناك بدائل كثيرة. من المنطقي إلى الجاهلي. فهناك سلاح منتشر ، ومن يمتلك القـوة سيكون له رأي، ومطالب .. وسيسعى لإزاحة منافسيه ويفرض رؤيته. وقد يـقـع البعض في فخ أعداء الثورة. ومخاطر الانفلات الأمني، بل والحرب الأهلية قائمة، لتعصف بأحلام الشباب وتطلعات الكهول كما قال الصديق السنوسي بسيكري في صحيفة ليبيا اليوم.


ارتباك الإدارة .. وطموحـات اللليبــيين

هناك ارتباك في الإدارات، تشـهد عليه الاحتجاجات والمظاهرات والاسـتقالات من اسـتقالة رئيس المجلس المحلي في بنغازي، ونائب قائد ثوار طرابلس والمتحدث العسكري الرسمي وغيرهم. أما الارتباكات الإدارية  فحدث ولا حرج.

الاحتجاجات والاسـتقالات ظاهرة صحية، لكنها ناقوس خطر أيضا. وقد تتفاقم إما لأن أسبابها تتزايد أو لأن أحدَا لا يعيرها اهتمامـًا. لكن إلى متى؟ وهناك مطالب ملحة كـقـضايا رعاية الجرحى، والمفقودين وأسر الشـهداء. ومن تجربتي الشخصية أشير إلى أنني طالبت بمشروع لإعادة تأهيل الثوار فكلفت بإدارته .. مكافآت، مرتبات، دورات تدريبية، قطع أراضي ورصيد كهبة لبنائـها. مطالب بسيطة. لكننا وبعد شـهرين ورغم النوايا الحسنة، ما زلنا دون ميزانية ونعمل بجـهود متطوعين. والموضوع عاجل وشـديد الحساسية.

للارتباك الإداري أسـبابه ولا شـك، ورجال السلطة الجديدة، رغم ما أنجزوا من مهام ورغم ما يبذلون من جـهـد، لم يرضوا بعد طموحات الثوار والناس، وإذا أحسـنا الظن نقول أن تشبثهم قد يعود إلى حرصهم  على ما تحقـق.


ثــورة من؟

لنعترف أن هذه الثورة ثورة جيل جديد. جيل تجاوز المناضلين الذين دفعوا أعمارهم في السجون طيلة الأربع عقود الماضية، والذين عانوا حياة المهجر وتصدوا للقذافي عبر الإنترنت والإعلام وشتى التنظيمات السياسية وكانوا بذلك بديلا عن صوت الشعب الليبي المخنوق في الداخل. جيل الثورة تجـاوز أيضا الذين كان لهم مواقف وطنية من داخل النظام. جيل الثورة حرروا البلاد بالتصدي الشجاع وبالقتال المسلح، وهي اسـتراتيجية لم يفكر فيها أحد قبلهم.


شراكة وليست هـبة

لـهـذا، لابد من إشراك الثــوار في العملية السياسية. ودون تأخير. فالثورة قادت إلى ظهور تشكيلات مسلحة، يشعر أفرادها وعن حق أنهم من أسـقط نظام القذافي، بدمائهم وجروحـهم وبمن فقدوا من رفاق بالآلاف .. ويخشون على ما أنجزته الثورة، أو بلغة البعض يخشون من سرقتها، ولهم كل الحق في ذلك. وتجربة مصر وتونس بقدر ما تشهد على إمكانية سرقة الثورة، يتزايـد انزلاقـها نحـو الفوضى يوما بعد يوم. وهناك، سـتنتهي الصراعات إلى الاسـتنجاد بنوع من الانقلاب العسكري ولو على الطريقة اللبنانية.


إذن ما العمل؟

احتمالات النزاع الجهوي أو القبلي أو الفكري قائمة، وربما تكون بعيدة، والأكيد أن لدى الليـبيين ما يكفي من العقل.  لكن لابد من تحقيق صيغة سياسية ترضي الجميع. الأخطر هو ما يترتب على انتشار السلاح في غياب جيش وطني.

ولامناص من أن يدرك الجميع ويتقبل أن إشراك الثوار أمر ملح، لكي نتجاوز أيضا التوترات المتزايدة  بين كتائب الثوار على مواقعها في العاصمة، وفي مدنها، وعلى ما جمعت من سلاح وعتاد، ولكي نرضي حقهم في المشاركة السياسية. وأنا لا يزعجني أن يطالب  ثـوار مصراته أو الزنتان أو الزاوية وبنغازي بحقائب وزارية. بل أرى أن هذه المطالب مشروعة، ويفرضها الواقع. وليس هذا ضربا من الجهوية. ثم إن هؤلاء الثوار لم يخوضوا حرب التحرير كمرتزقة، وإنما كمناضلين من أجل وطن لهم رأي في مستقبله.

وما لم نبتكر حلولا عادلة ومنصفة لهذه المعضلات، فلن ينقذنا من مضاعـفـاتـها إلا دعـوة قوات دولية .. أو عربية إسلامية، كما لمح أحد سـاسـتنا قبل أسابيع، وهو حل قـد لا يعطي ثمارًا.. وقد يقود إلى فوضى لا نهاية لها.


الاســتـقـرار

ويبقى الاستقرار المطلب الطبيعي والمشروع لكل الليبيـين مثلما يريده العالم الخارجي. بالنسبة للمواطن الليبي ينبع الاستقرار من  تحقق الرخـاء والحرية والعدل وسـيادة القانون ..  والقدرة على التأثير في قرارات الدولة بالمشاركة من خلال مؤسسات منتخبة وعبر الصحافة ووسائط الإعلام. أما الـعالم فيريد ما يؤمـّـن إمدادات النفط ، وما يضمن  استثماراته .. وأوروبا تنشد كبح الهجرة من الجنوب، وجيراننا الملاصقين يطلبون ما يمنع تسرب السلاح  والمتطرفين. بدون هذه الشروط لن يكون هناك استـقـرار ولا تنمية. وسـنبقى حيث دحـرنا كتائب القذافي .. وربما نتقهقـر. والفوضى قد لا تكون خلاقة كما توقع البعض!

لكن الطريق إلى الاستقرار يسـتند أولا وأخيرا على الثقـة بين الشعب والسلطة، بغض النظر عن الأخطاء وجوانب القصور المرحلية.

لقد نالت ثورة فبراير المجيدة إعجابا وتعاطفا منقطع النظير، حتى أمسى العالم ينظر إلي الثورة الليبية كنموذج لتحرر الشعوب .. فهل سـندمر مكتسباتنا بقصر النظر والصراع الذي يفتح الطريق لفتنة لا تبقي ولا تذر؟

أم  ترانى مفرط في تخوفي على مستقبل ليبيا، واسـتقرارها ووحدتها ؟

اللهم كن فى عـون الليبيين.





بقلم د. محمد المفتي





->إقراء المزيد...

الأربعاء، أكتوبر 05، 2011

الجزيرة نت / الأخبار - ثقافة و فن - الثقافة بليبيا ومرحلة ما بعد القذافي

محمد الأصفر-بنغازي

طوال حقبة معمر القذافي الطويلة في ليبيا ارتهنت الثقافة للنزعة الفردية التسلطية، وكرست أنشطتها لخدمة النظام وتوجهاته الشمولية، وعانى الكثير من المبدعين من قمع ومضايقات لم تمنع الأصوات الحرة من الإبداع.
فكيف يتصور المثقفون بليبيا آفاق الثقافة في بلدهم في مرحلة ما بعد القذافي، والتحديات التي يمكن أن تواجهها، الجزيرة نت التقت مبدعين ومثقفين ليبيين وسألتهم حول الموضوع.
ويقول الأستاذ محمود شمام –عضو المكتب التنفيذي بالمجلس الانتقالي ومسؤول ملف الأعلام "إن الحراك الثقافي الليبي تاريخيا يسبق الحراكين السياسي والإعلامي، مع أنه كان أبطأ في خضم الثورة، لكنه سينطلق بقوة بعد ذلك متجاوزا الحالة الشعاراتية الثورية إلى تأصيل إبداعاتها في القصة والرواية".



طارق الشرع: الثقافة في ليبيا تفتقر
للتنظيم  المؤسساتي (الجزيرة نت)
سقوط الدعاية

ويضيف أنه على مستوى الشعر والفن التشكيلي، بدأت ملامح هذا التأصيل الثقافي مبكرا، مشيرا إلى أنه في عهد الحرية سوف تسقط  ثقافة الدعاية من تلقاء نفسها لتترك للفعل العميق آفاقا أرحب.

أما الناقد الأدبي والعضو المؤسس لاتحاد كتاب وأدباء ليبيا الجديد طارق الشرع فيعتقد أن مجرد الحديث عن شكل محدد لأي نشاط مستقبلي في ليبيا لن يكون دقيقا، نتيجة الافتقار للمرجعية المؤسساتية،  وهو ما حرص النظام السابق على تعميقه عبر فرض سياسات متناقضة تقوم على إلغاء أي محاولة تشكيل وبلورة رؤى من شأنها العمل على خلق نواة حقيقية تكون بمثابة المنطلق لرسم ملمح راسخ يعكس ثقافتنا واحتياجاتنا ويكون مظهره وآلية عمله.

كما يؤكد الشاعر الحبيب الأمين مدير إدارة الثقافة والمجتمع المدني ببنغازي التابعة للمجلس الانتقالي الوطني الليبي- الذي حرر من السجن في 20 أغسطس/آب- أن القذافي قدم  نموذجا خاصا للدوغمائية الشرسة، ومارس عبر أدواته الإعلامية ومؤسسة السلطة الثقافية خطاب التسويق لصوره والتزويق لحكمه والدعاية "لفكره" المزعوم!
ويضيف أن "رهط غوبلز" من حوله تفننوا في التجهيل والتعقيم والتحشيد والتعبئة، ولم يكن للمثقف الموهوب والمستقل ومريدي الثقافة الحقيقية أي دور حيث تم إقصاؤهم  وتهميشهم.
ويرى أن مثقفي ليبيا ينعمون الآن بمناخ جديد وأن الحرية ستفعل فعلها بحبرهم وعقولهم وأن الكل مدعوّ إلى إنتاج ثقافة الزمن البديل وتكريس أدبيات المرحلة ومقاربة المطامح الوطنية والإنسانية لليبيين إجمالا، وينبغي لهم أن يناضلوا لدسترة الحرية في الإعلام والإبداع، وتحرير أدوات النشر ولصياغة إبداعية للتطلعات ومطاولة المستقبل الأفضل مع الانفتاح على كل الثقافات والمعارف التي حرموا منها طيلة 42 عاما.



عبد المنصف البوري شدد على ضرورة التواصل
مع الفكر الإنساني في المرحلة المقبلة بليبيا (الجزيرة نت)
تنظيم العمل

أما الأستاذ عبد المنصف البوري مندوب المجلس الانتقالي بالدوحة والمشرف المؤقت على فضائية ليبيا الأحرار فحرص في تصريحه للجزيرة نت على إدانة التسطيح والشخصنة الممارسة من عدة ساسة ومثقفين وشدد على ضرورة التواصل مع الفكر الإنساني دون فقدان الهوية والخصوصية الليبية، وقال لا أملك إلا أن أتوقع مستقبلا زاهرا للثقافة الليبية خاصة أن التنوع والاختلاف والاجتهاد سيكون مفتوحًا أمام الجميع.

وركز رئيس تحرير جريدة قورينا السابق عز الدين اللواج  تصريحه للجزيرة نت على زوال العائق الذي كان يكبل الثقافة ويطوعها لخدمة الدكتاتورية  قائلا "
نتطلع لمستقبل مشرق وواعد للثقافة في بلادنا ولاسيما أن العائق الذي كان يقف طحلب
عثرة أمام تطورها قد أزيل وأقصد بذلك طبعا نظام العقيد الفار معمر القذافي".
وشدد على أنه سيكون من المهم الإسراع في "مأسسة الحقل الثقافي وفق معايير تتلاءم مع
طموحاتنا الرامية لبناء حكم رشيد ودولة مدنية حديثة في ليبيا.. لكي تؤدي الثقافة دورها".
وأضاف أن البلاد  محتاجة في هذه المرحلة لمؤسسات وأطر ثقافية قادرة على تلبية طموحات المثقف الليبي وتوظيف مناخ حرية التعبير الذي تحقق بفضل ثورة 17 فبراير.



 أحمد إبراهيم الفقيه: الثقافة في ليبيا
ستزدهر بعد القذافي (الجزيرة نت)
آفاق أرحب
الروائي الليبي الكبير أحمد إبراهيم الفقيه المستشار الثقافي للسفارة الليبية بالقاهرة يؤكد
أنه ليس أمام الثقافة الليبية إلا طريق واحد بعد القذافي هو طريق التقدم والازدهار باعتبار
أن القذافي كان واحدا من أكثر أعداء الثقافة شراسة وأعلن حربا شعوا ء على الإبداع والمبدعين في كل مجال، ويكفي شعاره الأحمق الظالم الذي يقول "لا نجومية في المجتمع الجماهيري".
ويبدي صاحب رواية "فئران بلا جحور" حزنه على "أدباء وكتاب ومبدعين ليبيين
غادروا الحياة دون أن تتكحل أعينهم بليبيا الجديدة ليبيا ما بعد الطاغية، ودون أن يحيوا
زمن ثورة 17 فبراير، وقد عاشوا وكانوا يحلمون بهذا اليوم وغادروا الحياة".
ويؤكد  الفقيه أنه على الرغم من التضييق والقمع فقد تم إنجاز إبداع في عدة مجالات
وكان ذلك نوعا من التحدي والمقاومة، ولدى سؤاله عن تقييمه لهذا الإبداع قال "أنجز أبناء جيلي إبداعا حقق اعتراف العالم به وأسهمنا في وضع اسم بلادنا على خراط العالم الأدبية والثقافية شعرا وقصة ورواية ومسرحية ورسما وموسيقى ورقصا".


الخروج من القمقم

 ويؤكد رئيس تحرير موقع "بلد الطيوب الليبي" الكاتب رامز النويصري أن الفرصة الآن كبيرة للثقافة الليبية للخروج من قمقمها الذي ظلت محبوسة فيه، الأفق مفتوح للكتاب والأدباء للانطلاق دون رقابة أو أي محاولة تهميش أو إقصاء. سيكون المثقف الليبي هو الرهان للنهوض بالمرحلة المستقبلية والرفع من مستوى الثقافة المحلية.
وأكد ضرورة تكوين هيئة لرعاية الثقافة، والعمل من أجل إقرار برامج ومشاريع ثقافية، كالمهرجانات ومنحة التفرغ للعمل الإبداعي، وأن يكون الإعلام تحت إشراف هيئة محايدة. ويرى النويصري أن النشر الإلكتروني سيكون بدون منازع المرحلة القادمة ليس في ليبيا فقط بل في كل العالم.



*  المصدر: الجزيرة
 http://www.aljazeera.net/NR/exeres/66E3344F-321D-40CF-B5BE-9140DC6AD6A8.htm?GoogleStatID=9
->إقراء المزيد...
Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art