الأربعاء، أكتوبر 19، 2011

حتى لاندخل المتاهة !؟.. د. محمد المفتي

 

مدننا هانئة ولا شك .. إذا قسـناها بازدحام السيارات، والدكاكين المفتوحة، تتوفـر بها خدمات وسلع .. وأخيرا ازدانت مدننا بعودة الأطفال إلى مدارسـهم. ولكن ثمة تيار خفي ومعـتـم يلوح في باطن الأشــياء ويبعث على التساؤل بل والتشاؤم.

مؤخـرا، كتب الصديق نور الدين الثلثي في مدونته " هرمنا":  ‘‘ مجالس محلية ومجالس عسكرية وكتائب وسرايا بمختلف المسميات ورجال يجوبون شوارع المدينة حاملين السلاح. ساهرون على أمن المواطن والمنشئات. ونسمع هذه الأيام باختلافات واصطفافات بين هذه المجموعة وتلك... هذا من طرابلس وذاك من خارجها... هذا معترَف به من المجلس الوطني، والآخر؟ كلّ الثوار من أيّ بقعة من الوطن جاؤوا، سواء حازوا على ’اعتراف‘ أم لم يحوزوا، ومعهم الآلاف من ممّن استُشهدوا، رجالٌ يدين لهم الوطن بتحريره من الطغيان. ولكن الجماعات المسلحة تحتاج إلى تنظيم، وأن تنضم جميعا تحت مظلة الدولة بجيشها وقوات الأمن فيها، إذا أردنا إنشاء دولة ’’. 

على المدى البـعـيد، لابد أن يكون هناك " تنظيم" بشكل أو آخر، لكن الفارق هـو طول المسيرة. وإلى أن نصل إلى الغاية المرتجـاة، هناك بدائل كثيرة. من المنطقي إلى الجاهلي. فهناك سلاح منتشر ، ومن يمتلك القـوة سيكون له رأي، ومطالب .. وسيسعى لإزاحة منافسيه ويفرض رؤيته. وقد يـقـع البعض في فخ أعداء الثورة. ومخاطر الانفلات الأمني، بل والحرب الأهلية قائمة، لتعصف بأحلام الشباب وتطلعات الكهول كما قال الصديق السنوسي بسيكري في صحيفة ليبيا اليوم.


ارتباك الإدارة .. وطموحـات اللليبــيين

هناك ارتباك في الإدارات، تشـهد عليه الاحتجاجات والمظاهرات والاسـتقالات من اسـتقالة رئيس المجلس المحلي في بنغازي، ونائب قائد ثوار طرابلس والمتحدث العسكري الرسمي وغيرهم. أما الارتباكات الإدارية  فحدث ولا حرج.

الاحتجاجات والاسـتقالات ظاهرة صحية، لكنها ناقوس خطر أيضا. وقد تتفاقم إما لأن أسبابها تتزايد أو لأن أحدَا لا يعيرها اهتمامـًا. لكن إلى متى؟ وهناك مطالب ملحة كـقـضايا رعاية الجرحى، والمفقودين وأسر الشـهداء. ومن تجربتي الشخصية أشير إلى أنني طالبت بمشروع لإعادة تأهيل الثوار فكلفت بإدارته .. مكافآت، مرتبات، دورات تدريبية، قطع أراضي ورصيد كهبة لبنائـها. مطالب بسيطة. لكننا وبعد شـهرين ورغم النوايا الحسنة، ما زلنا دون ميزانية ونعمل بجـهود متطوعين. والموضوع عاجل وشـديد الحساسية.

للارتباك الإداري أسـبابه ولا شـك، ورجال السلطة الجديدة، رغم ما أنجزوا من مهام ورغم ما يبذلون من جـهـد، لم يرضوا بعد طموحات الثوار والناس، وإذا أحسـنا الظن نقول أن تشبثهم قد يعود إلى حرصهم  على ما تحقـق.


ثــورة من؟

لنعترف أن هذه الثورة ثورة جيل جديد. جيل تجاوز المناضلين الذين دفعوا أعمارهم في السجون طيلة الأربع عقود الماضية، والذين عانوا حياة المهجر وتصدوا للقذافي عبر الإنترنت والإعلام وشتى التنظيمات السياسية وكانوا بذلك بديلا عن صوت الشعب الليبي المخنوق في الداخل. جيل الثورة تجـاوز أيضا الذين كان لهم مواقف وطنية من داخل النظام. جيل الثورة حرروا البلاد بالتصدي الشجاع وبالقتال المسلح، وهي اسـتراتيجية لم يفكر فيها أحد قبلهم.


شراكة وليست هـبة

لـهـذا، لابد من إشراك الثــوار في العملية السياسية. ودون تأخير. فالثورة قادت إلى ظهور تشكيلات مسلحة، يشعر أفرادها وعن حق أنهم من أسـقط نظام القذافي، بدمائهم وجروحـهم وبمن فقدوا من رفاق بالآلاف .. ويخشون على ما أنجزته الثورة، أو بلغة البعض يخشون من سرقتها، ولهم كل الحق في ذلك. وتجربة مصر وتونس بقدر ما تشهد على إمكانية سرقة الثورة، يتزايـد انزلاقـها نحـو الفوضى يوما بعد يوم. وهناك، سـتنتهي الصراعات إلى الاسـتنجاد بنوع من الانقلاب العسكري ولو على الطريقة اللبنانية.


إذن ما العمل؟

احتمالات النزاع الجهوي أو القبلي أو الفكري قائمة، وربما تكون بعيدة، والأكيد أن لدى الليـبيين ما يكفي من العقل.  لكن لابد من تحقيق صيغة سياسية ترضي الجميع. الأخطر هو ما يترتب على انتشار السلاح في غياب جيش وطني.

ولامناص من أن يدرك الجميع ويتقبل أن إشراك الثوار أمر ملح، لكي نتجاوز أيضا التوترات المتزايدة  بين كتائب الثوار على مواقعها في العاصمة، وفي مدنها، وعلى ما جمعت من سلاح وعتاد، ولكي نرضي حقهم في المشاركة السياسية. وأنا لا يزعجني أن يطالب  ثـوار مصراته أو الزنتان أو الزاوية وبنغازي بحقائب وزارية. بل أرى أن هذه المطالب مشروعة، ويفرضها الواقع. وليس هذا ضربا من الجهوية. ثم إن هؤلاء الثوار لم يخوضوا حرب التحرير كمرتزقة، وإنما كمناضلين من أجل وطن لهم رأي في مستقبله.

وما لم نبتكر حلولا عادلة ومنصفة لهذه المعضلات، فلن ينقذنا من مضاعـفـاتـها إلا دعـوة قوات دولية .. أو عربية إسلامية، كما لمح أحد سـاسـتنا قبل أسابيع، وهو حل قـد لا يعطي ثمارًا.. وقد يقود إلى فوضى لا نهاية لها.


الاســتـقـرار

ويبقى الاستقرار المطلب الطبيعي والمشروع لكل الليبيـين مثلما يريده العالم الخارجي. بالنسبة للمواطن الليبي ينبع الاستقرار من  تحقق الرخـاء والحرية والعدل وسـيادة القانون ..  والقدرة على التأثير في قرارات الدولة بالمشاركة من خلال مؤسسات منتخبة وعبر الصحافة ووسائط الإعلام. أما الـعالم فيريد ما يؤمـّـن إمدادات النفط ، وما يضمن  استثماراته .. وأوروبا تنشد كبح الهجرة من الجنوب، وجيراننا الملاصقين يطلبون ما يمنع تسرب السلاح  والمتطرفين. بدون هذه الشروط لن يكون هناك استـقـرار ولا تنمية. وسـنبقى حيث دحـرنا كتائب القذافي .. وربما نتقهقـر. والفوضى قد لا تكون خلاقة كما توقع البعض!

لكن الطريق إلى الاستقرار يسـتند أولا وأخيرا على الثقـة بين الشعب والسلطة، بغض النظر عن الأخطاء وجوانب القصور المرحلية.

لقد نالت ثورة فبراير المجيدة إعجابا وتعاطفا منقطع النظير، حتى أمسى العالم ينظر إلي الثورة الليبية كنموذج لتحرر الشعوب .. فهل سـندمر مكتسباتنا بقصر النظر والصراع الذي يفتح الطريق لفتنة لا تبقي ولا تذر؟

أم  ترانى مفرط في تخوفي على مستقبل ليبيا، واسـتقرارها ووحدتها ؟

اللهم كن فى عـون الليبيين.





بقلم د. محمد المفتي





->إقراء المزيد...

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

لك كل الحق يا دكتور وأنا أشاطرك الرأي بل أني أخشى أنها لم تعد مجرد مخاوف بل أصبحت أمر واقع نعيشه ونراه بأم العين وأتمنى من كل قلبي أن أكون أنا وأنت مخطئين ومفرطين في التشاؤم إلى أبعد الحدود تحياتي لك وللأستاذ الحبيب الأمين وأن شآء الله نعيش الأيام الطرابلسية ونهدرز في بنغازي ونسهر في درنة ويجمعنا الوطن كما جمعنا دكان الشايب.

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art