الشيء !
أشلاء , هباء ...رقع وأسمال بالية تذرع أزقة الرماد ,,خيوط دخان تلتوي كأشباح من جحيم غادر للتو ضحاياه..
خرائبكأنها رسمت بالفحم , ماج السراب فيها .. روائح الموت تنبعث من مناظر راكدة سجاها الجمود مقابر مهجورة
,,, مزق أجساد قضمتها مناشير الشقاء جيئة وذهابا..لا خضرة تزين وجه الأرض..
يباس فادح يزحف على صفحة المدى فلا ترى في مهادها إلا الأشواك والجدب يتناسلان بلا حياء تحت قدميك..
لا أقاح ولا لقاح ولا نبض حياة ,, ليتبنى الإحساس مرغما أطروحة اليأس
كفضيلة اعتراف حيال أي أمال خرساء تحاول استنطاقك برأي مخالف...
حتما لن تقوى هذه الطللية الخائبة على الخلاص من ركامها والنهوض دونما معاول تجتث مفاعيلها الخربة بالمفعول بهم
سلفا وبالقادمين بقواعد عمران جديدة ... بين كل هذه الأنقاض يقطن أسلاف الأشياء بعد أن ضربتهم جائحة غامضة وأسأمهم
طول الثواء.. منذ أحقاب تفرق شملهم وراء مسارب الخيبة فرارا لأي وخامة تأوي عواقبهم الفاشلة وضربا وراء كل هشاشة
ضالة تهشم ما بقي من يقينهم المتصدع حتى الفتات بأن تقوم لهم قائمة... فأهوال الكآبة أرخت ساقيها في حضيض هذه الوهاد البائسة..ومدت لهم ألسنة السخرية........
منذ زمن مهيض صاروا ينتسبون لسلالة الشيء الكبير ,, لكنهم بمعنى عاقر عن الخصب والفلاح اختاروا من الأسماء ما ينفي
الوجود بصفاته ويدحض الحضور بأي صورة أو شكلا يكون,,, فكانوا وظلوا وما يزالون يتنكهون بكينونة فانية ومبعثرة بلا أثرا
أو لونا مذاق الاضمحلال وحرقة الانحطاط... شفافية سافرة لا تليق إلا بوطن للغيلان..مسبلة فيه العيون على رعب يسبره الظلام وتنهال فيه السنون الثقال ترج المكان....
وسط قرية النعوش هذه تلفلفت الأكواخ بأكفانها فاغرة أبوابها للهلاك بعد أن دكتها أنياب الأعاصير وعربد بها سوسها الهاري فاستحالت خاوية إلا من جذوع وحصاة.. هنا يولول المصير وراء جنازات المصير وتختال الثقة باستحالة البعث ما لم تهبط معجزة
أو تقترف كل هذه البدايات الشائهة قيامة خاتمة تخسف الحتميات الزائفة براهن الوعي الضارب في السبات جذره وفي الفوات
رهاناته الخاويات... علها ترجع بالهالكين خطوة واحدة إلى وراء قد يغادرهم في اللحظة الأخيرة إلى وراء أبعد ...
إنهم اللاشيئيون حيارى يتمطون ضجرا ينؤون بخطايا السجود تحت مسامير الندم,, وبلكنة دارجة يتهكم بعضهم بذاته فيقول نحن
أنجال الفوارغ وأحفاد غبار..بعد أن أنفقوا كل ما لديهم من أشياء لا تساوي غير إفلاسهم وذخائرهم الكاسدة ,, وسط نداءات بطاء
تهوم ذابت فيها الأصداء طفقوا يخيطون من عريهم فزاعات التلاشي بانتظار مكنسة الفناء...تطوي أثارهم كما تطوي الرمم بأجراف الضباع عظام فوق عظام ... هنالك في العدم لا يصيخ الجماد إلا لسكونه ..
هو " الشيء " أو كما يسمونه فخامة الشيء ..كلما ضج فيه الجنون دخان أرخى على رؤوسهم الساهمة أستار الرماد ,,,
عندما يلتقونه كمهيمن على سدة العدم وناظم لطواحين الريح بقفارهم العامرة بالجعجعة .. كثعبان الطريق يزدري مجيء الأمان
ويلتوي عند كل فج باسط رأسه بكهف أهله الرقود ,, يلدغهم نابه العجيب بسم السبات ,,, حتما سيبادرهم - بعد نفث الرهاب
بسحناتهم الآفلة - بالامتعاض من بلاهة عقولهم وبلادة شعورهم ليدشن من فوق حياضهم المهدمة مأدبة الجبروت بأحاديثه
الفارغة من شواغلهم المحتقنة وما يرسو بمكنونات شواغره المجوفة ليختم حمى الهذيان بأخبار منحوسة عن إرسالياته من
طلائع النفخ وجوقة الأبواق إلى أرض الصرير كملاقط تجمع له من أعشاش العواصف بيض الريح الصفراء ..,,,
وكعادته أيضا سيرش منثور الهباء على كل سنابلهم الضامرة على ضفاف الخواء المهيب ..
كل اللاشيئيين توارثوا بحلوقهم الملتهبة حرقة الإجابات عن سؤال القحط الكبير الذي ساور أسلافهم الرواد غداة تفشي
الأوجاع بأطراف رخائهم الهزيل مطلع الفاجعة الأولى ,,, فتمادى الخلف الحزين في تقديس المصائب وحاكوا من تراثها
مرثيات نواح تواسي أساطير النبالة لعرقهم البائد ..
ظلت ملحمة الاندثار محفوظة بألواحهم وأذهانهم طوطم يكتب طوطم لتتلى كمسرودة ابتهالات في حضرة " الشيء العظيم"....
أو كإجابات مضمرة ببواطنهم الخاسئة,,, للرد على تساؤلاته الفارعة السذاجة ,, تلك التي تحضر ولا تغيب متربصة كمقص
عملاقة بكل فم فاغر أو أذن طائشة ,, فالتذكير بها طقس هذيان مبجل ومضغها لازم لتكريس اللاشيء وتخليد الشيء...
عن لقائه بالشيء تحدث " لاشيء " مسكين كعود يابس تتوكأ مثلها كانت ظله وملهاه في زمانه الباسق فقال لاقيته ذات مرة
محشوا بأشيائه.. فناداني : ,, مرحبا , مرحبا .. أيها اللاشيء الضئيل .. هكذا كلمني الشيء العظيم.. ثم قال يسألني ,,
هل قابلت أشياء أخرى مرت من هنا ؟ ,,, ربما تسللت في ظلمة التيه تحت سحب الفوضى إلى حدودي اللامتناهية ..
فقال اللاشيء : رددت عليه متجاوزا محطة قاحلة من أي لباقة بعد أن تخففت من أعباء المناورة بمجابهة الزيف بالزيف
ونزعت فتيل الرهاب من جذوة الصمت .حتى استوت بلساني نبرة من الفجاجة الصارخة فأطلقتها بلا تردد ,, إجابة لا مفر
منها تلفعت بالحنق والقنوط...
لا .. لا يا حضرة الشيء الفريد ..البتة.. لا أشياء مرت ولا أشباهها حضرت ,,ربما تمر وربما لا ,,فكما تعرف أنا ممن فقدوا
حواسهم وإحساساتهم منذ زمن.. يبدو انك نسيت إنني لا شي يا صاحب الشيء الوحيد وإنني بلا أرجل وبلا خطوات وبلا رأس
ولا عقل وليس لي أيضا بصر أو بصيرة ... أنا محض احتواء شاغر ,,, أنا هنا منذ فجر الفراغ مسمرا على قارعة الخلاء
كديك الريح انشر جسدي وسط أجساد تسوقني إليك بوصلة الريش حيثما وليت وجهي ؟,,لا أصيح ولا أطير ..
فقط أدور .. وأدور في حلقتك الفارغة دون أشياء.. فاطمئن يا سيد اللاشيئيين ..كنا وسنبقى فوارغ في مهبك الفسيح,,,,,
بزهوه المعهود تمدد فخامة الشيء المأخوذ بصلفه كدخان المارد وتمطط ككتلة من جرة الغرور ..
أطلق قهقهة سخرية خرقاء ,,قرع صداها حوائط جمجمتي كمسامير من قرف سميك ... عاود الشيء تدوير كلماتي بطاحونة
فراغه ثم نفخ أوداجه المتهدلة بفراغ مضاعف ليسدده كموجات من غبار عفن نحو خوائي العتيق .. فتكومت بقعر ظلماته
حروف بلا صوت...
كقشة يذروها الصياح ,,حدق بي غاضبا ليقصم الصمت بسؤال مدوٍ ..
هل مرت بك " لا " مكتوبة أو محكية؟ ..,,, ....
انتفضت كبالون خرقته شوكة المباغتة فتطايرت أشلاؤه ..نعم ترتعد وراء نعم ,, ..
قابلت إحداها وضممتها إلى سلالة اسمي الرسمي وصارت تسبح بنعمك..أطال الهواء عمرك وعمر أشيائك .. ومن يجرؤ
على الطعن في " لا " بعهدك.. عظم الفراغ أوداجك لتنفخ فينا أسرارك.. كل ما نحن فيه بفضلك أيها الشيء العظيم..فمنذ زمن
ونحن نتنعم بفقاعتك وفرقعاتك ,,نتنفس عوادم مزاجك الهوائي ونحتسي كرامات دخانك من قنينة السراب المنشود ..
نحن لا شيئيين بلا أشياء نرفل في جنة الفقد على عينك ..
يا سيد الفوارغ مالك في اكتئاب تحتدم !! والكل جذلان يحدق بثغرك البسام ,, يتلاشون لأجلك ويتساقطون على دربك ,يتهاوون
في هاوية العدم وراءك ..الكل صاروا وما يزالون لا شيئيين ..
أيها الشيء الكبير,, يا سادن الفراغ القدس يا نسل الممحاة الأمين .. لأجلك ولك وحدك غابت كل الأشياء وانتحرت الكلمات ,,
ها نحن نمسح كل السطور والأصوات من جذورها بأعماقنا الصدئة..كأن شيئاً لم يكن .. ها نحن نكون لا شيئاً..
نتفانى في اللاشيئية كما تشاء ....
->إقراء المزيد...
0 التعليقات:
إرسال تعليق