الأربعاء، نوفمبر 18، 2009

سكة مشروخة











في قاطرة الشتاء على خط الخريف
جلست قرب غيمة شقراء ونحيلة ,, لم نتحدث
إذ اكتفينا بالنظر للشروخ والشقوق بوجهينا وهي تتصبب عرقا...
وزعت علينا الريح وصية الصيف السوداء
" هناك تراب يحتضر ينتظر وصول صيدلية الأعشاب "....

نزلت الغيمة النحيلة أولا بمحطة الرذاذ ترنحت وسقطت مغشي عليها
بقيت أنا وأوراق الخريف وحدنا ,, هي في مهب الضياع وأنا في مهب الملل
نرمق عبر النوافذ انعكاسات الأفق البنية ونواري احتدام القلق...
كانت الريح تنفخ من شرخ زجاجي مزمار الصقيع وتغمز لنا كريشتين يرسمان قشعريرة الصمت ..
وسط هذه اللوحة الهائجة كان اليقين يعزز الثقة بالجبن كتعويذة آمان
إذ لا أحد سيجرؤ على ارتكاب حماقة النزول قبل الهطول..

لم تتوقف القاطرة ولم تأت سيدة المطر البيضاء الغزيرة بسحبها المترهلة ..
سرت إشاعة من القاطرة المجاورة تقول إن بعض خصيان الجذب تحرشوا بها
وقاموا بتبخير ماءها على نار هادئة عند بئر الحنظل ...
بين ليل متشبث بظلمة خرساء ونهار موغل في النار
انتظرنا بصبر لا يشتعل وصولنا إلى محطة الربيع ...
ثلاثة شهور ثقيلة من السفر البطيء تعاقبت فيها الليال الفانية والنهارات البائدة ..
كانت كافية لتنصيب الفشل على بردعة الرحلة برتبة " قبطان نهيق أول "
ولسحب تذكرة مزورة من راكب خفي بيننا يثرثر ولا نراه
يدعى السيد " قريباً "

أخيرا قالوا لنا ,,,, أيها العطشى غار ماءكم وطار حظكم
الرحلة ألغيت لأن الربيع لم يرضع مطره وتسمم بشوكة صيفية
فمات في المهد ودفن في التراب
كالتراب مع ذاك التراب المحتضر ....
نزلنا جميعا من القاطرة وارتدى كل منا عطشه دون أن يتكلف أحد منا عناء النظر إلى كشك
القحط الناشر بضاعته من القناني الفارغة على ضفاف غدير تجعدت طينة وجهه وتناثرت
على أطرافه الخشنة شقف الجرار وطموحاتها بالارتواء ...........

كنت ثمل بهذا الفراغ الذي يعتصر مواسم اليأس الأربعة ليدسها بانتظاري المتيم بالخيبات الطازجة .. مازالت المكابدة مزمنة حيال مسخرات الطبيعة التي تزدرينا وتوغل في التأثم بذنوبنا ,, فمن وجوهها الأربعة لا تمنح الفصول أعوامنا غير التفاتة مناوئة بوجه عبوس رغم انتصابنا أمامها بطقوس قداسة تستدعي مجيئها لتفقد عذاباتنا المفتوحة كقرابين فائرة... بضع خطوات نافقة على درب يقطع بالسيف سيقان سالكيه..كانت ملهمة للجم المساورة ودحضها بمفاكرة انسحاب تتوقع الأسوأ كفرضية دائمة الصدقية تعربد بالعقل فتصفر كل أرصدة العقل من دراهم المنطق وحيلة اليد فلا يبقى أمامك من حل غير قذف كل النعال بوجوه كل الفراغ ..
في المرة القادمة سأجازف حافي القدمين لعل التراب والعرق يتبنيان لي مشوار آخر يليق بطينة خطواتي .. ولا يبالغ في الاحتفاء كثيرا بالمفقودات المغيبة وليترك السكة المشروخة للمنضبة عقولهم تخصبهم الأوهام بالتراضي... كقطارات تعيش على الحقن البخارية وتموت بالخواء .............



->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art