الأحد، نوفمبر 08، 2009

عربايا " رجل مَن المريض ؟ "






عربايا " رجل مَن المريض ؟ "



" إن قطع تركيا لعلاقات عمرها 500 عاما مع الشرق، وأتباعها سياسات غربية خلال ال 50 عاما الأخيرة، كان أحد أسباب


عزلتها و تراجع دورها "
أحمد داوود اوغلو
من مقال نشره بإحدى الصحف التركية


" المستشرق وحده هو الذي يستطيع تفسير الشرق ,
مادام الشرق يعجز عجزاً متأصلا عن تفسير ذاته "
ادوارد سعيد

المنطقة مرشحة دائما للمزيد من التجاذبات بين حبال الأطراف المترصدة والمنهمكة في جر قطعان الهلال الخصيب المنهكة إلى حظائر مصالحها وكسب مساحات الماء والكلأ ( السيطرة والنفوذ ) وحتى بحلحلة أزماتها الداخلية وتصفيرها ( 0 – كما هو ظاهر وخفي في الدور الإيراني مع الشيعة والأكراد ومجاهدي خلق بالعراق ومع الدور التركي مع التركمان وحزب العمال الكردي والتي تلخصها نظرية التصفير للبروفسور اوغلو) على حساب الجغرافيا والتاريخ للجيران العرب.فهذه الدول صارت أكثر وعيا بمفاهيم واستراتيجيات الأمن القومي وباتت تنفذها على ظهور المجاورين الركع السجود , بعد أن تعثرت بذاتها وانتصبت بهويتها وحسمت خياراتها لتتجاوز حمى الهذيان السياسي التي لا تفارق الجسد العربي المريض.


من هنا نجد أن الأتراك والإيرانيين نجحوا في النأي بأجسادهم عن بركة الدماء والداء.الإيرانيون تحصنوا بقلعتهم وانخرطوا بورشة عمل لإعادة هيكلة دولتهم وتقوية دفاعاتهم وتصدير طموحاتهم ورعايتها عن بعد لتفقس في أعشاش الآخرين, بعد أن فخخوا ما وراء حدودهم بالأزمات العازلة لإبعاد أعين وأرجل الغرباء الذين تورطوا في أوحال غير بعيدة واضطروا لطلب معونتهم فيها ( العراق وأفغانستان ), وملوحين بملفهم الذي قد ينفجر ويفجر المنطقة بأسرها, فاستفادوا من الوقت واستثمروا في المفاوضات نقود الوعود وتكتيكات التأزم والانفراج واللعب بأوراق بعيدة المدى وهذه دروس ومهارات مهمة فات دهاقنة العرب تعلمها واكتسابها من ملالي فارس أو من مشايخ الكرافتات العثمانيين.الذين أعادوا إنتاج التوازن أمام رياح الضياع والخراب بالتشبث بتيارات للإصلاح والفضيلة والترقية بمقاربات براغماتية منتقاة , وبعض ما استطاعوا قبوله واستيعابه من أثواب اللبرلة والدمقرطة. إنهم في أسوء التوقعات على موعد مع العصر وفي تورط ايجابي مع الحياة والتاريخ يرممون صروحهم لتسقط قشور التخلف المتآكلة الواحدة تلو الأخرى عن لبهم الخصيب , ولتجلو الحداثة ملامحهم الأصيلة بالتنوير.........


الأتراك تخلصوا من عقدة نعتهم بأنهم كانوا يوما " رجل أوربا المريض " أواخر العصر العثماني مطلع القرن العشرين (1909 خلع الخليفة السلطان عبد الحميد) , ومما لا شك فيه أن هذه الصفة المرضية صارت أكثر التصاقا بالعرب بعد أن تفشت بين دويلاتهم كالوباء وربما هذا ما يفسر رفض أردوغان لمن يحاول أن ينعته كرئيس بالشيخ ليصور أو يتصور تركيا كدولة بالقبيلة حين هم غاضبا بمغادرة منتدى دافوس عقب تحفظه وشجبه لما ورد في كلمة شمعون بيريز وكأنه أراد القول ( هناك آخرون ينطبق عليهم هذا القول, ودون أن يسميهم. بلا أدنى شك هم العرب ولا أحد سواهم . لكن تركيا أمة عريقة ودولة عظيمة واقتصاد قوي في فضاء ديمقراطي , لا ولن تنفصل عن مكاسب تاريخها وتجلياتها الحداثية الحاضرة ولا يمكنها أن تقبل إلا بمعاملتها كقوة إقليمية معتبرة وفاعلة في الأحداث وشريك في رسم المخططات والخرائط بالمنطقة أو كما قال البروفسور اوغلو (العثماني الجديد) " لم نعد بلد ردة الفعل ".. في إشارة للدور التركي السابق المتواضع والمحدود والمرسوم حسب الطلب والذي كان في اغلب أطواره تحييد وإبعاد عن هموم وأحداث المنطقة. والذي يرى انه لم يعد لائقا وممكنا لتركيا الاستمرار فيه وفق معادلات الواقع الجديدة وطموحات الأمن والاقتصاد التركي الذي لابد له أن يستفيد من فرص الدخول في اللعبة بعد أن اقتحمها قبلهم المحترفون والهواة الذين تم جلبهم برغبة الملعوب بهم وبعجزهم أو بصمتهم أو غصبا عنهم. يبدو ما يحمله البروفسور اوغلو من رؤى للحلم التركي السعيد تنشد الصحو بورش التحقيق, مؤسسا على توظيفات مستمدة من قراءة عميقة للتاريخ العثماني وإعادة إنتاج عصروية له - بالطبع ليصب في مصلحة الدولة التركية الحديثة – التي يحب أن يراها السيد اوغلو منتصبة وسامقة وشامخة على ساقين قويتين هما الحداثة والشخصية التركية بوجهها الحضاري وإرثها الثقافي والديني ( ببعده الإسلامي ) والقومي , وهو هنا يقدم الوصفة السحرية الجامعة والمانعة ,. والتي ربما فشلت فيها حكومات تركية متعاقبة منذ سقوط الخلافة بالأستانة . كأنه يتمثل قصيدة الفيلسوف التركي رضا توفيق الذي يبكى وينتحب ويندم على تمرده على سلطانه وخيانته لوطنه. ويقول مخاطبا السلطان عبد الحميد بعد وفاته:

لم تكن أنت المجنون بل نحن ولم نكن ندري


علقنا القلادة على فتيل واه


لم نكن مجانين فحسب بل كنا قد عدمنا الأخلاق


فلقد بصقنا أيها السلطان العظيم


على قبلة الأجداد


من المفيد أن نقرأ ذلك في كتاباته وفي اقتباسه لواحد من أهداف فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا لها السلطان عبد الحميد حين رأى فيها أداة للضغط والمقاومة في وجه الدول الأوربية إذ التفت حوله الشعوب العربية والإسلامية الواقعة تحت سيطرة القوى الأوربية لحماية الخلافة وتضميد جراحات الإمبراطورية العثمانية من أطرافها إلى مركزها باسطنبول وبذلك يرفع من قدراتها على المواجهة والاستمرار لكبح الجموح الاستعماري الأوربي وفي اقل تقدير حماية وصيانة المركز عن أي انهيار أو سقوط بإبعاد المخاطر عنه. ولعله من جميل الصدف أن تصب في الراهن للصالح التركي ومن البديع أيضا أن القراءة التركية للظرف السياسي الإقليمي الدولي كانت ذكية وحاضرة البديهة والتعاطي فتركيا اليوم تمثل عقدة مواصلات للتجارة وللطاقة وتمر بأراضيها أنابيب الوقود من النفط والغاز المهمة لعدة دول من روسيا ووسط أسيا وحتى العمق الأوربي مرورا بمنطقة الشرق الأوسط وصارت بالفعل بوابة الشرق وملتقى قاري وحضاري ولها أكبر شركة طيران أوربية, فتركيا اليوم تمثل قوة اقتصادية نشطة ومتسارعة النمو ودخلت طور العالمية ضمن أقوى الاقتصادات العالمية وراء الثمانية الكبار, ومرشحة بقوة للقيادة ومؤهلة لها فمنظمة المؤتمر الإسلامي يقودها تركي ( في 2004 ضغطت أنقرة لتولي التركي أكمل إحسان أوغلو رئاسة سكرتارية منظمة القمة الإسلامية. وفي 2006 ألقى رئيس الوزراء أردوغان كلمة في مؤتمر القمة العربي بالخرطوم، أكدت على توجهات تركيا الجديدة.) , وترتبط بعلاقات ولها نفوذ بالجمهوريات الإسلامية بالاتحاد السوفيتي السابق, وهي على الأرجح لم تتكلف خسائر فادحة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية التي نالت من جيرانها العرب حوالي 400 تريليون دولار كما اجبروا على تقديم تسهيلات ومساعدات وصلت حد تنازلهم عن صناديقهم النقدية السيادية.

" اللهاث العربي نحو قافلة السلام السرابية مازال يصبغ تفاؤلهم بالظلام وطموحهم بالضباب في مفازة لا أمل فيها بتحول النباح بالنجوع المقفرة إلى زغاريد. إنهم أشبه بأمة الهنود المنقرضة يتصايحون ويتساقطون وسط زخات الرصاص فيما الغزاة يتمددون في تبنهم وعلى رمالهم كأفاعي مرحبا بها......

خسر العرب دون بذل أقصى الجهود وأمضاها..... "


إن الإيرانيين أيضا كساسة وأصحاب مشروع لدولة قوية ومنيعة ومهابة نجحوا في تسييل أرصدة بنك الأهداف القومية والأمنية وإنفاقها في سوق المضاربات السياسية بنفس طويل ولم يغفلوا الاستفادة من قراءتهم الخاصة لتاريخ المنطقة فعبر الحرس الثوري الإيراني مدوا جسورا للتعاطي مع جوارهم العربي وشكلوا من المنظمات والأحزاب ما يخدم مصالحهم ويسوق لرؤيتهم وان كانت قد تقاطعت مع غايتهم الرئيسة في مواجهة القوى الغربية المحتشدة بالمنطقة والمهددة لمشروعهم كما هو حال حزب الله وحركة أمل بلبنان وحماس بفلسطين دون القول بسذاجة قادة هذه الحركات وخيانتهم للمشروع العربي المغيب , فهؤلاء لهم أجندتهم الخاصة لكنهم محتاجون للدعم الإيراني وليس بالإمكان والسهولة إلصاق تهمة العمالة والتبعية بهم. هذا التكتيك الراهن لإيران يذكرنا بدور مماثل عرفته المنطقة وربما تحت ذات الظروف المحيطة بنا اليوم " فالتشكيلات المخصوصة " كتنظيم سري إقامته وزارة الحربية التركية لمواجهة القوى الاستعمارية في الدول العربية و"جمعية العهد" التي ضمت 315 ضابطا عربيا من مجموع 490 ضابطا يعملون في الآستانة و" الجمعية القحطانية " التي أسست عام 1909 م حاولت ممارسة الدور النهضوي للعرب مع مشاركتهم للأتراك في الحكم دون هدم للولائية الإسلامية, وحظيت هذه التنظيمات بدعم بعض الدوائر والشخصيات التركية الحداثوية وخاصة أصحاب الأفكار التحررية والدستوريين والمنادين بإعادة بناء الدولة التركية وإنهاء عهود الاستعباد والاستغلال للعرب.

تبدو ملامح ونشاطات بعض هذه التنظيمات شاخصة في بقاع عدة من الوطن العربي كمصر واليمن وليبيا وسوريا وكيف قادت بعض الشخصيات العربية حركة التحرر ودعمت الجهاد والمقاومة فيها أمثال عزيز المصري الذي كان أول عضو عربي بجمعية الاتحاد والترقي - ونذكر هنا نتيجة أعقبت ما قام به عزيز المصري من توقيع اتفاق سلام بين قوات الإمام يحيى باليمن والقوات العثمانية يترك فيها للإمام سلطاته الإدارية ويحتفظ الخليفة بسلطته الروحية .ونجاحه في إقناع الإمام والأتراك بالسلام بحرصه على الدم العربي ولشعوره القومي تجاه بني جنسه دون هدر ولائه للخلافة, لأن القتال سيخدم الأوربيين المتربصين بالشرق وسيعجل سيطرتهم على هذه البلاد ., عقب اتفاق الصلح ذاك بعث الإمام يحيى للسلطان برقية يعلن فيها استعداده لإرسال مئة ألف مقاتل إلى طرابلس الغرب للدفاع عنها ضد الايطاليين - حيث برزت كريزيمه كمال أتاتورك باني تركيا الحديثة – وعبد الرحمن عزام ورمضان السويحلي وسليم الجزائري.. وفي ليبيا تكرر نفس الدور التركي والشبيه بالإيراني الراهن لدعم المقاومة العربية وربما يقدره عرب اليوم بالتدخل في الشؤون الداخلية وبالرغبة في التمدد والسيطرة على المنطقة وتصدير الثورة وبالتبشير الشيعي ,في حين أن المنطقة برمتها تتمظهر كرصيف للعابرين ومرتعا للأحذية ومضمار لسنابك الأغراب وهم مقبولين دون أي امتعاض عربي رسمي . عقب عودته من اليمن ونجاحه هناك قررت الدولة العثمانية وبحماسة أعضاء الاتحاد والترقي مواجهة ايطاليا بليبيا وكونت قوة حربية من الضباط لدعم المجهود الحربي الجهادي الأهلي في ليبيا عبر تسللهم بشكل سري كضباط من تونس ومصر وعبر البحر بمساعدة الغواصات الألمانية . في مذكراته يذكر تحسين العسكري " إن جمعية العهد قامت بدورها بالدعوة إلى التطوع من اجل قيام دولة عربية مستقلة " والتحق عزيز المصري بتلك القوة من الضباط وعمل مع المجاهدين بقيادة الحركة السنوسية زمن أحمد الشريف ثم لاحقا استلم قيادة قوة الدعم التركي من أنور باشا الذي عاد إلى تركيا واشترك معه مصطفى كمال أتاتورك وجعفر العسكري واستمر الدور العثماني اللوجستي والميداني بتوقيع اتفاق أوشي لوزان عام 1912م مع بداية حرب القرم. وعقب ذلك الاتفاق شعر الضباط العرب بالإحباط فكتب عزيز المصري رسالة إلى المجاهد سليمان الباروني يحثه فيها على الثبات ومواصلة الجهاد " إن تسليمنا للعدو حقارة عظمى للجنس العربي , وسيقولون أن هذا الجنس لا يصلح لكي يحكم نفسه , ويخرج من سيد ويدخل تحت سيطرة سيد آخر ... وهمة الإنسان ليس أمامها محال ... ولا يحسم الموقف الرغبة المتأججة ولا النوايا الطيبة , وإنما موازين القوى الصارمة " عقب ذلك وصلته برقية تطلب منه الانسحاب إلى السلوم ومغادرة ليبيا... يصنف الدارسون هذه الجهود التركية وحركة الضباط العرب لنجدة ليبيا ضمن ما اصطلح على تسميته باسم " منظمة الضباط الفدائيين السرية" وهي جزء من نشاط تنظيم " تشكيلات مخصوصة " السابق الذكر وإن ظل الكثير من نشاطها وخططها طي الكتمان كما شابها من حوادث لازالت ملفوفة بالغموض ومنها حادثة القتال بين عزيز المصري وقوته مع المجاهدين الليبيين وبعد رفضه تركه لأسلحته لهم والخلاف بينه وبين القيادة السنوسية, التي يقول عنها الزعيم المصري محمد فريد في مذكراته " أن الفرقة التي وقعت بين عزيز المصري وبين السنوسي نسج خيوطها الخديوي عباس , عندما نصح الايطاليين بالاتصال بكل من الطرفين على حده حتى يفقد كل منهما الثقة في الآخر.. ونجحت الوقيعة... وهذا من عمل وخيانة عباس حلمي.".


الباحث الأمريكي ستودارد كشف بعض خفايا هذا التنظيم بعد لقائه عدد من أعضائه وذكر على لسان كوشجو باشا بعد لقاء في مارس 1957... " إن ابرز أهداف هذا التنظيم هو زعزعة التسلط الاستعماري الروسي والفرنسي والبريطاني والايطالي في المناطق الإسلامية وإرسال مجموعات فدائية إلى بلدان إسلامية للدعوة إلى الجهاد وإشعال الثورة ضد المحتلين ...".

ويذكر الكاتب إن عدداً من قادة العالم الإسلامي آنذاك كان على صلة بها ومنهم عبد الكريم الخطابي وعلي بن عبد القادر الجزائري وعبد العزيز جاويش وسليمان الباروني ...


إننا الآن نستعيد صورة الأمس البعيد في أحداث وشخصيات وتنظيمات اليوم إننا أمام حزب الله وحسن نصر الله وحماس وخالد مشعل والجهاد الإسلامي وشلحّ والجبهة الشعبية وأحمد جبريل.... نفس الأدوار التي تؤكد لنا كعرب اليوم أننا عاجزون عن الحركة متى حوصرنا من دون عون الجيران وغير قادرين على الذود دون مدد من حراب الأحلاف بالجوار, فلن نكون بمعزل عما حولنا سواء كان من حولنا متعاطفون متشابكون, أو مستفيدون ولهم مصالحهم – وهي حتما من حقهم - ...ولكن يبقى السؤال كيف يمكننا التقاطع معهم وأن نعبر بحمولة أهدافنا إلى الضفة الأخرى وإن كانت على مراكب غيرنا وبحراسة سلاحنا وسلاحهم ..

ملامح فارقة ..=_+.........


ثمة مقارنة تناوش الدهشة وتستدعي ذاتها للولوج بحرم ذاتنا المصونة عن الفضول والمحجمة عن الاستغراب. هذه المقارنة تتطاول على الوعي المغيب وتدس لسانها لتقول متسائلة ؟ هل يمكننا عقد مقارنة ناجعة دون التعويل على النتيجة كمصلحة قومية متزمتة بين الشخصية التركية الراهنة وما يمكنكم جمعه من أشلاء الشخصية العربية المبعثرة ؟ والوقوف على طبيعة وملامح كل منهما ؟

الشخصية التركية عادت لوجهها الحضاري التركي العثماني المسلم وتبحث باجتهاد ومثابرة عن دور وقيمة ووزن بين الأمم المحيطة , فهي تخاطب العالم بلسان الأمة الحضارة والدولة الديمقراطية الحديثة والقوة الإستراتيجية والناعمة بإراداتها والضاربة إن تحرش أحد بأطرافها, منفتحة في الوقت ذاته على ثمار العصر ومتمسكة عضويا بجذورها كأسس عميقة.

الشخصية العربية خلعت جلبابها الحضاري وكنست بالعمامة دروب العمالة وانتكست فيها كل الأيدلوجيات النهوضية وتقلصت في ذهنها وفي حولها وطولها مساحات السؤال عن الواقع والمستقبل والمصير .تقارب هويتها على التلاشي وتزعم بإرادتها أنها مع الخيارات المستوردة المحشوة بقمح المعونات وقروض البنك الدولي وسياسته, ولازالت تصر بعناد مع الواقع على التمسك بأجندات تسويات السلام تتلقفها الواحدة تلو الأخرى. تناصب أعداء عدوها العداء وتقدم ماء وجهها وعرق جبينها وارتعاشات الجبن لعدوها الحتمي والاستراتيجي , حتى نكاد أن نصدق إن لم تفعل في الخفاء أن تعدل عقائد جيوشها العسكرية, بعد أن أجبرت ثم صفقت لفلترة مناهجها كي تطابق معايير مكافحة الكراهية للغرب منذ ركوبها بقاطرة محاربة الإرهاب, إلى الحد الذي استدعى منها حذف المقدس من النصوص والصلاة بآيات وسور قرآنية لا تروق للراصدين وتخدش براءة الصهاينة وتقض مضاجع مغتصبي الأقصى وجبل الزيتون.


الشخصية العربية نبذت القومية وصارت قومية بلا جنسية وصار العرب بلا انتماء بعد أن سقطت هيمنة العروبية على قافلتهم في امتحان القيادة وأوردتهم جرف الهاوية. ما أفسح المجال للمد الإسلامي بالتوسع وفق خطة غض الطرف عنه لضرب وتصفية قوى أخرى سمح له تحت غطاء " دعه يمحو دعه ينمو" إلى حين, وعندما تحسس الغرب أن القومية قد أبيدت حواضرها أو على الأقل عطلت أبارها وحرقت راياتها, التفتت نيرانها للنزعة الإسلامية المتمددة بالأفق لتقصفها كمشاعل تشق في الظلام طريقها نحوهم وتصوب بنادقها نحو مصالحهم وخدامهم وحلولهم بالمنطقة , بعد أن استعانت بأمثلة ونماذج متطرفة منها لتبرير ضربها للكل والطعن في الإسلام بوجهه وعمقه, مطلقة ما سماه جورج بوش بالحملة الصليبية , ففقدنا ملمحا آخراً من ملامح وجه شخصيتنا المشوهة . ولازلنا إلى يومنا هذا نستلذ وقوفنا وحركتنا على الرقعة كبيادق وفي أفضل الأحوال متفرجين على محترفي الشطرنج الكبار برقعتنا. فلا نحن بعروبيين ولا نحن بإسلاميين وبين هذا كله تتصاعد ليبرالية مشوهة مزيفة ومصطنعة وربما مغرر بها تلملم لصفوفها جمهور الفاشلين سابقا والمسرحين من سلك هذا التنظيم أو ذاك ومن قلة تؤمن بها في واقع بطريركي يرفض التغيير ويكفر المحاولة . فكيف لدعوات مثل هذه أن ترى النجاح دون ولوج النفق المظلم وليس ثمة من بصيص أمل بنهايته ولا هي من الشجاعة والبطولة والحماسة والتواضع لتصل للجموع لحشد الأنصار بعد طرح الأفكار .. أنها عمليا لا تملك سوى قراءة النص وتجاذب أطراف الحديث من شرفة عالية لا ترى الواقع بالشارع المحترق.عند هذا الحد يكفي القول إننا بلا ديمقراطية ودون تكريس مجتمع مدني حقيقي لن نصل حتى للنوم والصحو وفي وسائدنا حلم تركي. فنحن قوم ننام على مسلسلاتهم لأننا نعشق الدراماتيكية في السياسة والعيش بين ملهاة ومأساة.


أما عن الأسس الحضارية وجذورنا التاريخية ونطاقاتنا الجغرافية فقد عزلت عن الواقع ومنعت من تحفيز السياسي وتغذية الاستراتيجي بعوامل وأبعاد لرسم شخصيتنا الراهنة وفرز الدور وانتزاعه للنهوض , فتقوقعنا في صدفة الضياع ودسسنا الرأس في عنق النعامة بلا جذور بلا رؤيا بلا مرجعيات وثوابت بلا مبادئ وقيم نابعة من الأصول الرافعة ودون أي تعاطي مدروس ومحسوب مع الأصدقاء والأعداء والأحلاف من خلال إعادة لقراءة الدروس القديمة والاستفادة منها وبلا تفكيك وتفسير لما يصيبنا تباعا وكأن هذا الوجه الذي يلصقه الآخرين بنا ولا نتقنع به إلا عنوة ونحن له كارهين , قد جبل على الصفع والصمت , فيما العيون مغمضة والأذان تغط في صمم عميق.

الخوجة , العثماني الجديد


ولد أحمد داود أوغلو عام 1959 في مدينة "قونيا" الواقعة في قلب الأناضول.. وتدرج في التعليم حتى تخرج من قسم العلوم السياسية في عام 1984 من جامعة البوسفور ، إحدى أهم المؤسسات الجامعية التركية والتي تدرس موادها باللغة الانجليزية. وحصل أوغلو لاحقا على شهادة الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية.. كما عمل في أكثر من جامعة داخل تركيا وخارجها كان أهمها الجامعة الإسلامية في ماليزيا. في عام 1999 حصل على درجة "بروفيسور" في علم العلاقات الدولية ، كما تولى رئاسة قسم العلاقات الدولية في جامعة "بي كانت" التركية الخاصة ، قبل أن يختاره رجب طيب أردوغان كمستشار للسياسة الخارجية ، وذلك للإشراف على مهام الرصد والتخطيط والمشاركة في عملية إطلاق سياسة خارجية جديدة للبلاد ، عقب فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية التركية


مبدأ العمق الإستراتيجي والإرث العثماني


أتاح له منصبه كمستشار السياسة الخارجية فرصة التأثير المباشر على السياسة الخارجية التركية في أعلى مستوياتها ، وتطبيق الإطار النظري الذي قدمه للسياسة الخارجية التركية ، أو ما يسمى بمبدأ "العمق الإستراتيجي" ، الذي عنونه في كتاب له نشر عام 2001 ، تحت عنوان "العمق الإستراتيجي.. موقع تركيا الدولي".


أحمد اوغلو دعا في كتابه إلى ضرورة إعادة تعريف الخطاب والوجهات والمنطلقات للسياسة الخارجية التركية وفقا لما وصفه بمبدأ "العمق الاستراتيجي" ، والفكرة الرئيسية التي تتمحور عندها وحولها مقولتها تأتي من قيمة أي دولة في العلاقات الدولية ،إذ يراها تنبع من الموقع الجغرافي - الاستراتيجي وعمقها التاريخي. وطبقا لهذا المبدأ, فإن تركيا تتميز ب "العمق الجغرافي" و لها "العمق التاريخي" فحسب رأيه تعتبر ألمانيا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافيا عن أفريقيا وآسيا. وروسيا أيضا دولة مركزية في أوروبا وآسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أفريقيا ، وإيران دولة مركزية في آسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أوروبا وأفريقيا. وبنظرة أوسع فإن تركيا تحتفظ بالموقع الأفضل فيما يتعلق بكونها دولة أوروبية وآسيوية في نفس الوقت. كما أنها قريبة من أفريقيا أيضا عبر شرق البحر المتوسط. ومن ثم فإن دولة مركزية تحتفظ بموقع متميز هكذا لا يمكن لها أن تعرف نفسها فقط من خلال سلوك عسكري أو مكانة دفاعية ، ولا يجب النظر إليها كدولة جسر تربط نقطتين فقط ، ولا دولة طرفية ، أو كدولة عادية تقع على حافة العالم الإسلامي أو الغرب ". كما يرى أوغلو أن لتركيا "عمقا جغرافيا" فإن لها أيضا "عمقا تاريخيا" ، وهو ما يسميه أوغلو بالإرث العثماني لتركيا حيث كانت الإمبراطورية العثمانية أحد مراكز القرار والجذب العالمية ، وهو ما انعكس على واقع الدولة التركية المعاصرة ، حيث يوجد خليط متنوع من العناصر القوقازية والبلقانية والشرق أوسطية والتركمانية والأناضولية ، وهي عناصر تلتقي تحت مظلة الدولة التركية المعاصرة.


Strategic Depth: The International Position of Turkey ( published in 2001, Turkey.)


نتيجة لهذه الأبعاد ( العمق الجغرافي والتاريخي) لتركيا ، والتي جمعهما أوغلو تحت مسمى "العمق الإستراتيجي" ، فإن تركيا اليوم دولة ذات هويات إقليمية متعددة ، أي أنها تنتمي إلى مناطق متعددة كالشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وبجر قزوين والبحر المتوسط والخليج والبحر الأسود ولا يمكن حصرها في هوية واحدة. ونتيجة لهذين العاملين أو البعدين الجغرافيا والتاريخ يتشكل عمق تركيا ، والذي يسميه أوغلو "العمق الاستراتيجي".. وبحسب رأيه ، فإن "تركيا عليها أن تعتبر كونها دولة طرفية هو جزء من الماضي ، وأن عليها إطلاق سياسة خارجية جديدة تقوم على توفير الاستقرار ليس فقط لنفسها لكن لجيرانها أيضا. وعلى تركيا أيضا أن تضمن أمنها القومي واستقرارها عبر تطوير دور أكثر فاعلية وبناء لتوفير الأمن والاستقرار في النظم المحيطة بها أيضا " تبدو هذه الفقرة كقراءة جديدة من اوغلو أكثر وعيا وتطبيقا وتفريغ مقبول لمقولة أتاتورك الشهيرة (سلام للوطن سلام للعالم ) دون الانتماء لمشروع أتاتورك أو هدفه الظرفي من قولها في زمنه. ونتيجة لهذا المنظور الجديد وضعت أنقرة أسسا جديدة ودوائر نشاط أوسع لسياستها الخارجية وأولوياتها من أهمها تصفية الخلافات مع دول الجوار وتنمية التعاون معها ، وهي الأسس التي مثلت تحولا في السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط ، بعد أن كان النظرة التركية سابقا مسلطة ناحية الغرب.


القراءة التركية للملف الإيراني


كان التقارب التركي مع إيران هو الآخر اختبارا مثاليا لمبدأ العمق الإستراتيجي الذي طرحه أوغلو ، فتركيا التي كانت ناصبت طهران العداء إبان الحرب الباردة ، والتي دأبت على تحميلها الاتهامات طيلة حقبة التسعينيات بتصدير حصة لا تروقها من الأزمة الكردية عبر دعمها لحزب العمال الكردستاني والجماعات الإسلامية "الأصولية" النشطة داخل تركيا ، إذ بها تعزز من علاقاتها مع طهران تحت حكم حزب العدالة والتنمية. ففي يوليو من العام 2004 ، قام أردوغان بزيارة إلى طهران ، وقع خلالها مع المسئولين الإيرانيين اتفاق تعاون متعدد الأطراف يشمل العديد من الاتفاقات الاقتصادية ، بالإضافة إلى الالتزام المشترك بالتعاون الأمني والمخابراتي في مكافحة الجماعات المعادية ومنها نشاطات حزب العمال الكردستاني والتنسيق والتشاور بشان مستجدات وتداعيات الأوضاع العراقية إجمالا . وقام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة رسمية على تركيا في 15 أغسطس من العام الماضي (2008). الرئيس الإيراني احمدي نجاد قام بزيارة رسمية إلى تركيا يوم 15 أغسطس من العام الماضي (2008). كما دعمت تركيا حق إيران في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية.. والمثير للدهشة أن هذا التقارب التركي الإيراني جاء أيضا في ظل عزلة دولية مفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، بل وفي خضم أزمة الملف النووي الإيراني.... والذي شهد أيضا تصاعد العداء العربي لإيران من قبل معسكر الاعتدال العربي ! وحديثه عن الهلال الشيعي ورفع ثوب الدم السني في وجه الشيعة وما سموه بالمد الرافضي ! في العراق والطموحات الإيرانية بالخليج وغير ذلك من ملفات عالقة كالجزر الإماراتية ودعم إيران للتكوينات الشيعة في النسيج المجتمعي الخليجي ....

السؤال: لماذا لا تهول تركيا من مخاطر النووي الإيراني ولا تراه خطرا استراتيجيا يهددها ؟هل عاجزة عن التقدير ؟.. هل هي في موقع بعيد عن الخطر النووي الإيراني ؟ وهل قادة الجيش التركي والخبراء الاستراتيجيين الأتراك حمقى أم جبناء أم لهم قراءة لا يمكننا فك رموزها ؟. ولماذا هذا الفزع الرسمي والتضخيم العربي ؟. هل هو من عندهم أم تم حقنهم به ولأجل مصالح غيرهم؟! .............

الإجابة نجدها عند هيلا ري كلينتون التي قالت : ( ثمة تنسيق وتطابق عربي إسرائيلي بشان الخطر الإيراني ) وعند بنيامين ناتنياهو الذي قال في واشنطن ( إننا متفقين مع العرب بشان الخطر الإيراني ). وما رددته الخارجية المصرية بوصفها للسلاح الإيراني بالخطر والعدو الاستراتيجي المهدد للأمن القومي المصري الذي يساوي العربي ....................


وقفات - : -


في كلمة للجنرال برويز مشرف 16 فبراير 2002 الرئيس الباكستاني السابق بمناسبة افتتاح مؤتمر إسلامي دولي للعلم والتقنية في العاصمة إسلام أباد ، قال :

" المسلمون أشد أمم العالم تخلفا ورجعية وضعفا وفقرا وجهلا ومرضا "

وعقد عدة مقارنات بالأرقام بين اقتصاد اليابان الذي يبلغ خمسة أضعاف اقتصاد كل الدول الإسلامية مجتمعة ، وبين جامعاتها الألف التي تبلغ أكثر من ضعفي الـ 430 جامعة عندنا ، وليدعو أخيرا لاستثمارات بالبلايين في تعليم الشباب في الغرب. وهو هنا يطرح التشخيص ولكنه يلوي عنقه نحو المزيد من الارتماء في أحضان الغرب والانسلاخ من محيطه , دون تفعيل الحلول الممكنة للأزمة الباكستانية المرشحة للمزيد من الخسائر وربما الكارثة , وهو لا يحاول قراءة التجربة التركية والإيرانية المجاورتين لفشله الذريع في السياسة وإدارة الدولة وفي الدفاع عن السيادة الوطنية ومنع البلاد من الانهيار والتفتت والفوضى التي نراها اليوم ولكنه نجح في أمر واحد وهو إطلاق العنان والأجنحة للطائرات الأمريكية لقصف القرى والمنازل بحرية مطلقة عابثة بما تبقى من كرامة وسيادة لدولة تحوز سلاحا نوويا ولا تملك من أمرها شيء وهذا ما وقع فيه خليفته المنتخب ومازال يتأرجح بتركة خطايا على هاوية الاندحار...

في 9 مارس من عام 2002 يلقي رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد كلمة أمام اجتماع وزراء الشئون الدينية لمنظمة المؤتمر الإسلامي بخلاف كلام مشرف السابق عن الفقر والجهل والمرض ، يقدم مهاتير تشخيصه الأعمق لتخلف المسلمين وتردي أحوالهم بإضافة أعراض جديدة هي العنف ،كما كان واضحا جدا بأن لا يلوم المسلمون إلا أنفسهم هم لا يبحثون عن المعرفة أو عن تنمية الثروة ، وهم يحاربون بعضهم البعض يهتمون بالتعليم الديني بدرجة كبيرة ويهملون أهمية خوض مجالات العلوم والرياضيات والفلسفة ، وأنهم بهذا النمط من التخبط والانكفاء والسلبية سوف يفوتهم عصر ثورة المعلومات كما فاتهم عصر الثورة الصناعية السابق. أما أطرف ما في كلمة مهاتير فهي سخريته من اختصار اسم منظمة المؤتمر الإسلامي OIC )) التي قال إنها تقرأ هكذا Oh! I see ، أي نرى ولا نفعل شيئا .


" ارفع رأسك يا أخي العربي فقد مضى عهد الذل وانقضى "


عبارة عبد الناصر الشهيرة كانت تؤذن بعودة العرب إلى الإمساك من جديد بناصية تاريخهم بعد غياب 400 سنة كانوا خلالها يشكلون جزءا من تاريخ السلطنة العثمانية .يقول فيصل جلول الناصرية حصرت نتائج مساعيها في تدعيم الكيانية العربية كمطلب عاطفي , وفي إشاعة قيم أخلاقية عربية غاية في الأهمية , أطلق عليها نقاد عبد الناصر ومؤيدوه على حد سواء " الإحساس بالكرامة العربية " في حين يصفها آخرين بأنها " حركة استلاب للجماهير " وهذا واحد من التوصيفات الماركسية المشابهة التي أطلقت على الناصرية. لهذا نجد أن الناصرية لم تتحول إلى طور البنائية وظلت تراوح بين الوجدان والهتاف كظاهرة صوتية تلهب الحناجر, بعكس ما حدث مع المثال الهندي المعاصر والصديق في حينه لعبد الناصر بشخص جواهر لآل نهرو الذي تقطف الهند اليوم ثمار بذوره ويرتقي صرحها فوق بنيانه المتين .... ولازال حزب المؤتمر محتفظا بقيادته لأكبر رافعة ديمقراطية في العالم كحزب ذو سمعة طيبة ومآثر محببة للشعب الهندي..

" وهل يظل من شيء جميل ويستحق الانبهار لو عرينا الشعارات أو شققنا هواجسنا بالمبادرة لنزع بذور البارانويا العفنة ؟ هذا هو التحدي الذي يستحق الوقوف عنده في صفحة الحضارة ويطرح نفسه على خرافات الضياع بما يكفي لا للجمها فقط عن التباهي بطلاسم الصحراء وإنتاج النفط , بل بإلزامها باستعمال البوصلة للخروج من عاصفة التيه على نحو عاجل وملح ....... ثم سؤال من يجرؤ على رفضه ! .. كيف واجهت عقليتنا المتخلفة التبعات الحقيقية لركودها وضحالة تفكيرها وعجزها عن مبارزة المعضلات بالتحليل والتفكيك ثم نظم الحلول ؟, وهو ما يعنى أننا في وضع الانفلات من قاطرة الزمن والسقوط الرجعي تحت عجلة التاريخ .. بلا شك هي لم تطرحه, لأنها فاقدة للوعي والوزن معا... ".


نحن والأتراك

بين الإصلاح والديمقراطية

أشواك المرض وثمار العافية


بمعزل عن تقييماتنا لمنابت تلك الآصرة الضاربة في الوعي التاريخي ودون نكران خسارتنا للارتباط بفاعلية مع الراهن الذي يفر أمامنا بندوله ونحن نتراجع في قاع الزمن , ليس لنا من سبيل إلا القول انه لم يعد ممكنا ولا معقولا تجنيس فشلنا ووصم غيرنا بأسبابه وتسجيله بأرشيف جرائمهم وصحف ذنوبهم رافعين اكفنا التي لا نحسن استعمالها إلا بالدعاء عليهم بالفناء, أما سواعدنا فهي وسائد من لا وسادة له ... لعلنا اليوم أقرب ما نكون للاعتراف الطوعي بضرورة محاسبة الذات عن هدر قرن كامل من السباب وجلد التواريخ والأحداث وتصدير التهم للباب العالي. من 1909م إلى 2009 م . ونحن لازلنا نمارس ذات العادة بتقديس بيوتات الحكم عن بعد من الكرملين وكيجي والاليزيه وداوننغ ستريت وحتى البيت البيض, فكم قرنا سيمر لنحاسب كل هذه الدول عن تخلفنا ومرضنا وعجزنا ؟.

ربما لو كان الكواكبي بيننا اليوم لتبرأ من كتابه ( طبائع الاستبداد ) الذي خلص فيه إلى ضرورة مقاومة الاستبداد الأجنبي ( العثماني في زمنه ) وإصلاح الحكم وتحديد ماهيته بالنسبة للعرب بالتحرك صوب القومية كمنقذ للعرب من استبداد الغريب . فان ما نراه اليوم يثبت أننا فشلنا حتى في رحلة الحل بالترياق القومي , وإن الأتراك الذين راهننا على جوادنا القومي للقفز على قضبان استبدادهم والتحلل من جلبابهم المظلم . كانوا أكثر استعدادا للعلاج والشفاء وأكثر فروسية للذهاب بمشروعهم في إصلاح وبناء الدولة الحديثة إلى قمم النجاح .وأننا كعرب في زمن ما وراء العثماني بنيننا من القضبان وقصور الاستبداد ما هو أشد ظلمية وأشرس . وهاهم اليوم يسترجعون ذات الدور والرتبة التي كانت لهم في دورة حضارية سابقة على حساب العرب الذين رغم تحررهم منهم ومن استعمارهم الأوربي , لم يحققوا إلا القليل ودون مستوى الدولة كبناء. كم لم يخطو بالقومية وبالتحرر أي قفزة واثقة أو نوعية نحو مشروعهم النهوضي المشلول..

في ختام كتابه" مقدمات ليبرالية للحداثة - بيروت.2000" يقول المفكر المغربي عبدالله العروي " نحن بحاجة إلى استعادة روح رجال النهضة وما تميزوا به من جرأة وصدق وتفاؤل" في حين نرى الجابري في ختام مؤلفه " بنية العقل العربي " يحمل على البعض سهولة إشهار الموقف الراديكالي من التراث والماضي , ذلك الموقف المبادر والمحرض على القطيعة ومن الاستمرارية في التاريخ فيقول : " ما أسهل الهروب إلى الأمام "........

ربما يقود هذا للقول إن مشاريع الفكر الإصلاحي العربي ورواده منذ جمال الدين الأفغاني وحديثه عن الحكومة الشورية - كرائد قام بدورا كبير في نبذ الاستبداد وتحدث عن ضرورة إصلاح الحكم لمصلحة الأمة ،وكان من أشد وابرز الدعاة للدستورية في الحكم التي تحولت إلى ثورة عمت الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية. في حواره مع القيصر الروسي ما يلخص ببساطة فكرته عن الديمقراطية وجدواها ومخاطر تركها أو نبذها بين الرعية والسلطان. فحين سأله القيصر عن سبب خلافه مع شاه إيران أجاب الأفغاني "إنه الحكومة الشورية , أدعوا إليها ولا يراها الشاه" فرد القيصر" الحق مع الشاه , فكيف يرضى ملك أن يتحكم فيه فلاحو مملكته ؟!" فقال الأفغاني "أعتقد يا جلالة القيصر, أنه خير للملك أن تكون ملايين رعيته أصدقاء له من أن يكونوا أعداء يترقبون له الفرص" - ومحمد عبده في مقاربته للديمقراطية بالشورى وما استخلصه الطهطاوي من رحلة باريز عن الديمقراطية الفرنسية والتي لم يطالع على مقربة منها مهد الليبرالية البريطانية وهذا ما أهمله بالفعل أي مفهوم الحرية وتطبيقاتها (وهذا خلط مازال سائدا إلى يومنا هذا عند البعض) - ومرورا بخيرالدين التونسي في تونس وما ناقشه عبدالرحمن الكواكبي عن طبائع التسلط. نجدها كلها تمحورت إلى حد كبير على معضلة أداة الحكم المنفلتة السلطان وبضرورة تقييد السلطة وباعتماد الشريعة وأصولها في الحكم كمقيد مقدس .

هذه الجرعة الإصلاحية المستفيدة من الاطلاعات المبكرة والمبتسرة ( ومالها من ظروف خاصة اكتنفت سياقها الزمني ) على الغرب الليبرالي وأفكاره عن الحرية والعدل والمساواة , كانت عازلة للظرفية الزمنية والمكانية المتغايرة بيننا وبينهم إضافة للبيئة السيسوثقافية , فجلبت نصف الحل وانشغلت بالتكييف كما أهملت ما يعرف بقوانين تنظيم السلطة وبناء الدولة فلم تتفق ولم تتوافق مع شكل أداة الحكم السائدة والرجعية (اوتوقراطية ) عن الطموح الإصلاحي المنشود.وفي زمن التحرر والاستقلالات الشكلية اللاحقة عقب خروج الأتراك, عانت الحكمانية العربية المزهوة قوميا من سطوة عسكرة السلطة وتجييش الدولة وتجيير الموارد والأفكار للمجهود الحربي والخطاب النضالي كمشروع وحيد لتصريف تجليات القومية التحررية.بعد أن أغفلت وتغافلت عن أعداء آخرين ومعارك أخرى لا تنتظر ويلزم خوضها كمقارعة الجهل والعبودية بتحرير العقل والملكية ,ومأسسة الدولة وتطوير نظم التعليم ومناهج التربية والتفكير والتنمية البشرية وإعادة البناء والاعمار الحضري وإنتاج الغذاء وتحرير الاقتصاد .

فاستنزفت الزمن والمواد والعباد سلطات حاكمة تربعت على عرش القرار دون تيجان وانغمست في استهلاك القومية كإكسير للبقاء , رافعة لفزاعة الخيانة والقطرية الهدامة والعمالة وتعطيل يوم البعث العربي وقيام دولة العرب الكبرى في وجه دعاة بناء الدولة الحديثة ودمقرطة الحياة السياسية وخاضت باسم تلك الفتاوى حروبها الداخلية وحشدت الجياع والعبيد والجهلة والمرضى في حروب التحرير التي لم يعدوا لها ما استطاعوا وخانهم فيها الأصدقاء والحلفاء المزيفين مع أعداء الأمة, فجابهت تلك السلطات تهم الفشل والانتكاسات بمطاردة الناصحين بالتنوير وكشف الحقيقة وبسحق نداءات الليبرالية الخافتة بزمجرة وزئير متوحش عربد بالأقفاص المظلمة. وكذلك الحال كان بالنسبة لباقي التيارات الماركسية والإسلامية باعتبارها مهدد منظم لفوضى الحكم الاستبدادي المراد استمرارها وكذلك مع الحركات الدينية لأنها تبث الفرقة والفتنة في معمار العرب الحضاري وتسرب سمومها الرجعية الماضوية التي لا تستقيم مع مشروع القوميين الحدثواي للحرية والاشتراكية والوحدة تحت أعلام جمهوريات راديكالية وملكية حتى النخاع ... ظلت الشعارات مجرد شعارات ترفرف وتعمقت أرجل العروش فوق أشلاء ذلك الجسد المبعثر وتضاعفت خسائره من صدره إلى أطرافه. واليوم هاهو الاستبداد يتكرس وهاهي القومية تذوب والحريات تتراجع .رغم تمدده واتساع مجالاته الحيوية وبروزه استمرارها, لأن تلك التيارات تفضح السلطة الفاقدة للشرعية الشعبية والدستورية والفاقدة للشرعية مجتمعيا, إلا أن الشراع الإسلامي بكل حمولته وأطياف أفقه, نراه هو الآخر يصارع موجات تناصبه العداء كالحرب على الإرهاب واشتراطات الغرب عليه ويعاني من تجاذبات تنازعه من التشدد إلى الوسطية إلى الجهادية والسلفية وربيبتها المقاتلة...الخ ! مع تقاربها المتذبذب بالسلطات القائمة وعلى مسافات متفاوتة بين المعارضة والمولاة وحتى الصدام , كما هو الحال مع مواقف قياداته التي تتقلب في الرأي كحال الساسة العلمانيين الذين يترفعون عنهم , فتتباين مرجعياتهم وتتوالى مراجعاتهم وتتضارب اجتهاداتهم ,إضافة إلى قصور جلي في التكيف والتعالق لرفع الحجاب حتى عن مفاهيم ملحة على العقل والوعي كالحرية والديمقراطية ومع أدوات عصروية لإصلاح وبناء الدولة, وقبل هذا وذاك يبرز العجز عن صوغ رؤية ناضجة وعملية للجمع بين الشريعة والقانون بين الدين والدولة بين الحاكم والمحكوم, تفضي لتعاطيه بشكل أفضل مع قضايا الحاضر واستحقاقات المستقبل ومع متطلبات آنية لا يسعه رفضها أو تجاوزها دون تقديم آليات وحلول تصل حد تقديم تسويات وحلحلة ولو مؤقتة لمعضلاتها. ربما يسعفنا هذا في رصد المزيد من النقاط الفارقة بين ما فشلت فيه أو عجزت عن تحقيقه أمتنا وتيارات الفكر والإصلاح فيها, وما نجح فيه قاطنو البيئات الليبرالية ومنها التيارات الإسلامية في بقاع غير عربية كحزب الفضيلة التركي وحزب (الرفاه) في تركيا، و(الجماعة الإسلامية) في باكستان وبنغلاديش، و(الحزب الإسلامي) في اندونيسيا،والحزب الإسلامي( باس ) الماليزي..

من هذه النقطة نعود للقول إن المشهد التركي الراهن سواء بالنسبة للدولة أو لمناخها الديمقراطي يؤشر للنجاح إلى حد كبير ونسبيا مقارنة بالظهير العربي في تحقيق ثلاثية الفضائل ( الديمقراطية – الدولة – الحداثة ) وتطبيق نزيه للفصل بين السلطات الثلاث مع تكريس مبدأ تداول سلمي وسلس للسلطة على الجميع بما فيهم التيار الإسلامي. فالديمقراطية تحققت - وجذورها قديمة رغم انتكاساتها المؤقتة منذ ما كان يعرف بمجلس المبعوثان الذي اعتبر في حينه 1876 م نجاحا للتيار الإصلاحي في الدولة العثمانية أول منبر لتطبيق مبدأ التمثيل الشعبي - والحكومة تستمد شرعيتها من الشعب والدستور ولديها مؤسسات للمجتمع المدني متحررة الإرادة والمبادرة وقوانين منظمة للحياة العامة بين الحقوق والواجبات راعية للحريات وتعزز بوتيرة متسارعة نحو الأفضل ,وهاهي مؤخرا تفسح المجال للتيار الديني الإسلامي على قدم المساواة وسط تيارات أخرى قومية طوارنية وماركسية اشتراكية وحتى لأحزاب الأقليات العرقية بالانخراط في لعبة الديمقراطية . إننا بحق أمام حالة ليبرالية نادرة بالشرق الكئيب ( تحترم الملكية وتعظم دور وحرية الفرد) ونطالع مشهدية ديمقراطية صاعدة. كما نلحظ بنسبة عالية - مقارنة بالجوار العربي الذي يقول عنه حسن حفني " إن الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية عامة عند كل الاتجاهات السياسية الأربعة في بلادنا حتى عند الليبراليين الذين يمارسون السياسة على نحو تسلطي , تسلط رئيس الحزب وكوادره على جماهير الحزب . وكذلك الحال عند الإسلاميين والماركسيين والقوميين عندما يدينون بالولاء والطاعة لمنظري المذاهب وخطب القادة " - نجاح الدولة التركية كهياكل ومؤسسات تخدم بدرجة معقولة - لا تتوفر لنا نحن العرب - مجالات الحياة الثلاث للشعب التركي ( سياسيا .اقتصاديا. اجتماعيا وتنهل من تاريخه وثقافته) ولها قوة دفاعية حامية ومعتبرة بالمنطقة.


طقوس خالدة \= ........


لعل أفضل ما احتفظ به العرب عبر تتبع مخرجات نظامهم السياسي الرسمي, من تراث الحكم العثماني هو جملة من الممارسات والأدوات والعادات والطقوس , كانت ولازالت تحظى بدوام الممارسة وقداسة التطبيق ,دون أي تغيير أو تطوير باستثناء ما تفرضه الممارسة ذاتها من ضرورات لا تمت للمبتدعين بصلة. هذا العام 2009 تمر ذكرى إلغاء الخلافة العثمانية التي استمرت على مدى 625 عاما، وهى كدولة إسلامية وكيان سياسي منذ تأسيسها على يد السلطان عثمان الأول. امتدت منذ عام 1299م حتى عام 1924م, حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك نبذه للخلافة وبرنامجه السياسي للفصل بين الدين والدولة وهو يفتتح جلسة البرلمان التركي عام 1923م "نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون"!. وها نحن نرى عودة الأتراك للتواصل مع بعض جذورهم ولكن برؤية موضوعية وفاحصة ...غير أن السائد عندنا أننا ظللنا متمسكين على الأقل بمظاهر الحكم العثماني وشارات الملك ورموز السلطان وقوانين العقاب وحتى أدوات التعذيب التي وإن تخلص بعضها من سطوة استعمالها بشكل مادي وواسع الانتشار فتراجعت وانحصرت في المعتقلات والسجون ومراكز تأهيل العصاة السياسيين والمثقفين المتمردين, كما نلحظ استعمال مسميات هذه الأدوات إلى وقتنا هذا كمفردات سائدة وحاضرة في نصوص السجنيات العربية أو ما يعرف بأدب السجون.....


الفلقة على سيبل المثال يقدمها التاريخ كمنتج مملوكي الهوية وماركة مسجلة للعلوج , غير أن التوسع في استعمالها وتطوير أدائها وتعميمها أفقيا كحق لكل مواطن متمرد أو مخالف أو معارض ,تحقق في ظل الولاة العثمانيين, ثم استحسنها العرب وظلوا محافظين على اقتنائها واستعمالها إلى يومنا هذا . ثم تعرف العثمانيين على "الخازوق"، الذي يعتقد انه تقليد عقابي عرف في العراق القديمة ، اقتبسه الأتراك وافتتنوا به فطوَّروا الدراسات حول استخدامه، بل صارت الدولة تدفع مكافآت لمن يطيل عمر الضحية على الخازوق إلى يوم كامل يكابد خلاله أصناف الألم من الخازوق الذي يدخل من فتحة الشرج ليخرج من أعلى الكتف الأيمن دون أن يمس الأجزاء الحيوية من جسم الإنسان كالقلب والرئتين بأذى قد يودي بحياة المخوزق سريعًا.. مما يؤكد دراية المطورين بعلم التشريح واستخدامه في صالح الإنسان ؟!... المفردة احتفظت بصيتها المقزز والمستفز للذات العربية وربما تمثل حادثة قتل سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبر زمن الحملة الفرنسية على مصر, ذكرى غير طيبة شجعت الفرنسيين على الوقوف عند الثراء البشع للأفكار الشريرة في راس الجلاد الشرقي والذي لا يساويه إلا ما عرفته أوربا من أدوات تعذيب مماثلة في دهاليز تاريخها المظلم . كان الخازوق وما يقدمه من ألم فظيع جلبه الأتراك وتفشى بين العرب, درسا مستفزا لهم فخاضوا تجربته في جسد ثائر عربي...

في أيامنا هذه تحضر المفردة باضطراد في الثقافة السمعية وفي الدراما العربية وحتى في نوادر العامة وكتابات النخبة . ولكن على الرغم من انقراض الخازوق برسمه وشكله من الوجود المحسوس والمرئي لدينا , فنحن - على الأقل فيما نراه ونسمعه - لم نضبط حالة جلوس حقيقي على الخازوق جمعت لها الرعية أو تمت وراء القضبان وأعلن عنها في الصحافة, إلا أننا واقعيا لا نتحسس مؤخرات الأحداث ومقاعد الأزمات وضخامة ما يخرق أسماعنا وأبصارنا من ترهات وأباطيل- مع انعدام لأي أثر عثماني فيها - لندرك كم هي بشعة وكثيرة الخوازيق التي مرت وتمر بنا....
يبقى لنا رصد مظهر آخر "الانكشارية" من بقايا ما ورثناه عن العثمانيين وتخلص منه الأتراك الذين طرحوا الطربوش وتركوا لعقولهم فرصة التنفس بهواء الحداثة الطازج وهم اليوم مع موعد جديد للصحوة التاريخية, يعيدون رسم شخصيتهم الإسلامية في ظل دولتهم القومية. فنحن بالفعل عانينا ونعاني من الانكشارية من جند السلطان وولاة الثكنات زمن العثمانيين ودون التعميم بالمطلق ولكن ظل لنا بعد رحيل العثمانيين – مما نسقطه على واقعنا الكثير - وتحررنا منذ ثورة العرب الكبرى وتحقق استقلالنا عن المستعمر الأوربي !, ظلت لنا انكشاريتنا الخاصة وإن كان فعل كشر جدير بنا وبكل الحكمانية العربية رغم أن التاريخ العربي عادة ما يلصقها فقط بجرائم جمال باشا الشهير بالسفاح وما فعله بحركات القوميين العرب والنخبة المثقفة بالمشرق العربي - ( لن نعدم القدرة على رصد ألف جمال وألف سفاح غير عثماني على طول الخارطة العربية ) - , الانكشارية والإقطاع المتناسل من الكسب الحكومي والمتغول بسياط الدولة المتمترس بحماها ورعايتها لسرقاته واختراقاته الواسعة دون رادع أو وازع للمال العام والعرض العام , إضافة إلى ما توفر عندنا لهذه الشريحة من قدرات ومواهب لإعادة إنتاج ذواتها وتزكية أفرادها وحماية نفسها مع تقلدها للمناصب والرتب من قيادة الثكنات إلى كراسي الوزارات ووراثتها... أنها تساؤلات لن يسعفنا الحظ لنرمي بها البيت العثماني المحصن ضد الشائعات ليرد عليها, أن الإجابة تقتضي البحث والقراءة في 85 عام مضت . فماذا فعلنا وماذا فعل الأتراك ؟.........

بصدق هذه حالة تلبس وتقمص تاريخية للانكشارية العثمانية ظلت إلى يومنا هذا ممسكة بزمام الأمور ومتصرفة بمصائر الشعوب العربية التي صدقت أنها تحررت من العثمانيين والمستعمرين . في حين لازلنا نسمع إلى يومنا هذا من يستعمل الفاظ وتراكيب ضاربة في جذر اللسان والمقال

" بيك وباشا وباش مهندس واللة وعصملي وكاغط وطابو وعسكر سوسة ودبسيس ونسمع من يدندن آمان ربي آمان "...............................

دون أن نؤطر لهذه المقالة بعنوانها وسطورها بالرغبة في حصاد السلبي وتضخيم الهنات مع وفرة ما تعثر بنا بها ونحن نتحاشى حشوها بين السطور مما قد يراه البعض انهزاميا أو رجعيا في خطابها وضمينها للتطاول على العز العربي السامق والتعدي على المجد القومي الحاضر للعرب كأمة, أو أنها جعلت للتعاطف الساذج والدعاية لإيران ولتعظيم تركيا اليوم بما لا يجوز في حقها أو لعل قائل يقول وما شأننا نحن بتركيا اليوم وهي سبب تخلفنا منذ 400 سنة, وأن على إيران الاهتمام بتدبير بشؤونها بعيدا عنا وأن تكف عن الخوض في أمورنا , و لعل آخر يقول نحن أفضل حال منهم ؟!. كل هذه الاحتمالات والردود في اعتقادي لا تليق إلا بنعامة لا تفكر إلا وسط حفرة. نحن لسنا بمعزل عن الآخرين ولا يمكننا العيش بمفردنا بلا طموحات ولا يعقل أن نمارس الممانعة والحجر على تطلعات الآخرين لتحقيق طموحاتهم وتنفيذ مشاريعهم , فقط لا لشيء إلا لأننا لسنا بأصحاب مشروع... وسط منطقتنا الحرة وهي سوق رائجة بكل مسودات وخطط المضاربين. أليس عجيبا أن نرى قبولا عربيا بإحياء دورهم كقراصنة البحر في الزمن العثماني وتمثلهم بدور خير الدين بارباروسا الذي ينعته التاريخ الأوربي بالقرصان الذي كان يجوب شواطئ المتوسط والشمال الإفريقي وينظم بحسب استراتيجيه حركة الأساطيل والتجارة بعرض البحر وبجنوب أوربا , ولكنهم اليوم يقلبون الدور لحماية أوربا من موجات الزنوج الأفارقة التي تهدد كياناتها, وصرنا نسمع بتزويد عرب شمال إفريقيا بقطع بحرية لمطاردة المهاجرين وتأجير بحارتنا لحساب أميرالية البحر بالاتحاد الأوربي ضمن اجتماعات ما يعرف باسم ( 5 + 0 ) وإجراء مناورات مشتركة مع البنادقة والأسبان والفرنجة ... أليس في هذا استدعاء لصورة عثمانية مشوهة وتصدير لدور عربي رخيص الثمن ؟؟!! .... لا يرسم أمامنا إلا مشهدية لمباراة للكرة الشاطئية وتقاذف النعوش الطافية عند أعمدة هيراقليز ( مضيق جبل طارق ) بين خذلة هانيبال وطارق وبين الخلصاء لخطاب شيشرون التراثي كمنهل للتحريض استدعائه هيجل لاحقا والمعزز بنشوة نزول الأوربي الأبيض كمستعمر منذ الانتصار على قرطاجة وصانعه عاشق الملح سكيبو الكبير وحتى حادثة المنشة واحتلال الجزائر وتونس وليبيا وانتزاعها من حماية الباب العالي.

ولا ننسى في ذاك الوقت ما قامت به البحرية الليبية ضمن العصر العثماني في عهد الأسرة القرمانلية حين أسرت أول وآخر! سفينة للبحرية الأمريكية, لازالت حرقة فقدها تولول بنشيد جنود المارينز الحالمة بأسوار طرابلس وقلعتها لترفع علمها فوقها؟! ........

والمراد من كل هذا بحسب ما طرحت وأردت ليس القول بكمال النموذج التركي أو الإيراني, ولكن أظن انه من المجدي بل وبات من الضروري قبل عقد المقارنات بين دويلاتنا وأمتنا بالغرب ممثلا بأوربا وأمريكا أو بالشرق ممثلا باليابان والصين وكوريا, أن نقارنها بمن هم حولنا وهم يفوقوننا علما واقتصادا ,بأسا وقوة ورفعة وسؤدد ونحن نراهم يراكمون الأفضل في أيامهم ويعالجون حتى مشاكلهم وأزماتهم على نحو اسلم , فيما نحن نتقهقر إلى الوراء ونغيب عن الفعل وردة الفعل ....


أليست هذه التساؤلات ملفتة للنظر جديرة بالتفكير ومسترعية للانتباه, قبل أن يأتي علينا الزمن بما لا نحب لنلطم الخدود ونشق الجيوب على هذا المعبر أو ذاك !........

الحبيب الأمين

نشر بموقع المنارة للإعلام

وموقع الشبكة العربية العالمية
->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art