الجمعة، ديسمبر 04، 2009

الشيتادينانسا " Cittadinanza " فتوى حرمة الجنسية الايطالية على المسلمين 1938 م

clip_image002

صفحة من تاريخ المقاومة لعلماء ليبيا

لم يكن الجهاد الليبي مقاومة ورفض ومواجهة تخضع لقوانين القوة والصراع المسلح دونما رؤى وبلا مراجعات دينية وسياسية وثقافية , فالأحداث والتواريخ والوثائق تثبت إن حراكا اجتماعيا شاملا كان يدعم المجهود النضالي والحربي للمجاهدين الليبيين. وهذا ما تصدى له العلماء والمشايخ كقادة ومراجع اطلعوا بدورهم بكل الشجاعة والمسؤولية. فحين قررت الحكومة الايطالية تمرير سياسة الطلينة ومسح الهوية الليبية الإسلامية للشعب الليبي عبر فرض التعليم باللغة الايطالية في المدارس الحكومية واستصدار قانون التجنيس لليبيين كمواطنين ايطاليين في محاولة منها لضرب مقومات الشخصية الوطنية المحلية ممثلة في الدين واللغة ,استعرت نار المواجهة الشاملة والرفض والعصيان لهذه الإجراءات التعسفية.

clip_image004

لوحات الدعاية للانتصار الايطالي وتحقق السلم لايطاليا المسيحية وتركيا المسلمة لاحظ أوضاع العلم التركي وملامح الباشا التركي ورمزية السيدتين بالصورةواحدة تمثل الأستانة الكسيرة والأخرى تمثل روما المنتصرة بينما تبدو " الرعية المستلمة وهم الليبيين راكعين للسيد الجديد "

من مدينة مصراتة المجاهدة برجالها وعلمائها نهضت حركة العصيان المنظم لهذه السابقة الخطيرة والتي ألبست فضيلة التحديث وخلعة المواطنة الفرنجية ونيل الحقوق أسوة بالطليان الأوربيين , فمن طرابلس وصلت الأنباء عن صدور القانون وتم تسريب المراسلات بين العلماء لإبداء الرأي والفتوى لعامة الشعب دفعا لأي شك وقطعا لدابر الفتنة. إحدى هذه المراسلات وصلت سرا وخفية عن أعين القوات الايطالية إلى كبار علماء مصراتة تلاميذ مدارس الزوايا العامرة بمصراتة في المحجوب والزروق والمدنية وزاوية السعداوي.

clip_image006

يرجح أن هذه الصورة التقطتها الطليان للمصلين بصلاة جمعة بزاوية المحجوب

يقول المؤرخ الصوفي محمد بن ناصر الدرعي بعد مرور قرن من قدوم الزروق (1481هجرية) واصفا مصراته : " وحسب مصراته أن زروقاً اختارها مسكناً وان الله اختارها له مدفناً، ذلك لما طبع عليه غالب أهلها من الحياء والتقشف ومحبة الصالحين والاعتناء بالمنتسب إلى طريقتهم ، ولما طبعوا عليه من الكلام من عدم الفحش، ولما فيهم من السخاء ولين الجانب للغريب ، وغير ذلك "

موسليني في طرابلس

في العام 1938 شرع الطليان في الاتصال ببعض الوجهاء والتجار ووزعت أوراق التجنيس على بعض المواطنين مقابل إغراءات مادية تعالى الهرج والمرج وساد جو من التخوين والارتباك بين العامة بسبب قبول البعض خوفا أو طمعا وهم آخرين بترويج فضائل القانون الإيطالي... غير إن حزم العلماء وشجاعتهم حسمت الموقف لصالح الدين والأمة وبعثرت ضبابية الشك بصلابة الفتوى ونور اليقين.- ( الصورة المرفقة تنشر لأول مرة لنص السؤال مخطوطا على ورقة رسمية إيطالية ) - . إن تتبع قصة وصول أخبار قانون التجنيس تكشف للدارس أن مشائخ ليبيا كانوا على إطلاع وتواصل ومتابعة يومية لما يصدر عن إدارة المستعمر وما ينبغي القيام به من قبلهم حيال أي قانون أو قرار قد يمس حياة ومصالح ومقدسات وعادات وأملاك المواطنين, لقد كانوا على درجة عالية من التنسيق والتراسل والتشاور فلم يستأثر أحدهم بقرار أو فتوى بل كانوا يقدرون خطر ذلك على البنيان الاجتماعي والعقيدة الواحدة وهذا ما تدلنا عليه فتاوى النوازل التي كان يدلي بها كل عالم في مسألة ما مشتركا برأيه في فتوى أو رأي لعالم أو شيخ آخر. واحدة من الرسائل التي وصلت مشايخ مصراتة جاءت من مشايخ زليطن يرجح أنها هي الأخرى قد وصلت إليها من طرابلس أرسلها العالم الشيخ محمد بن محمد بن منصور بن صالح البكوش الزليطني سائلا مجلس علماء مصراتة تبيين الحكم الشرعي والفتوى المناسبة لمن يقبل بالجنسية الإيطالية راضيا أو مجبرا , حمل الرسالة من زليطن عبدالله التيح سرا وقام بتسليمها إلى الشيخ الأسعد طرينه والذي سلمها بدوره إلى الشيخ مفتاح إبراهيم اللبيدي العبادي المصراتي الذي رفض التجنيس وأفتى بحرمته ثم سلم الرسالة إلى مجلس العلماء بمصراتة -

clip_image008

clip_image010

clip_image012

- ( الشيخ العالم محمد بن علي ميلاد المغراوي المصراتي وكان قاضيا بسرت والشيخ رمضان أحمد أبوتركية والعالم الشيخ محمد السنوسي عبد العالي القزيري ( إقزير ) والعالم الشيخ عبد الرحمن الصادق بن حقيق ( من أولاد سيدي فتح الله ) والعالم الشيخ عبدالله صالح الدلفاق الصالحي ( من أولاد سيدي صالح ) والعالم الشيخ محمد عبد الرحمن بن نصر ( من أولاد سيدي ابعيو ) والعالم الشيخ عبدالله محمود الزواوي .. والذي كان في عضويته زمن تأسيسه في عهد حكومة مصراتة المشايخ العلماء كذلك المشايخ السنوسي عبد العالي العجيل القزيري والشيخ صالح الدلفاق والشيخ العالم عمر الميساوي ( الزاوي ) وهو من أولاد موسى ساكني الصابرية من قبائل الزاوية الغربية درس بالأزهر وأخذ العلم عن كبار العلماء في عصره عرف بعلمه وجهاده ضد الطليان , نفي إلى ايطاليا وفي يونيو من عام 1919 اشترط السويحلي ضمه إلى قائمة الاستبدال بالأسرى رغبة منه في تخليص هذا العالم المجاهد من براثن الطليان وإيمانا بدور العلماء وقيمتهم وقدرهم , فأخلي سبيله ورجع إلى مصراتة وأقام بها معززا مكرما من حكومة السويحلي ثم عينته الحكومة مفتيا ثم عينه نوري باشا مدرسا في مكتب صف الضباط بمصراتة ليبين للمتدربين فضائل الجهاد ضد الغزاة وما يتصل بمقاتلة العدو من أمور شرعية) -. والذين اتفقوا جميعا على حرمة التجنيس وحرمة القبول بالقانون أو الترويج له والتعامل معه ونبهوا الناس إلى ضرورة الرفض وعدم القبول بما يفرض عليهم وإنهم سيقاومون بكل ما أتاهم الله من قوة وصبر هذا القانون المنافي للدين والعادات وأكدوا على مخاطره الاجتماعية والسياسية تجاه معركة التحرير وحركة الجهاد. تصاعدت الأحداث وانتشرت أخبار الفتوى وقيل إن البعض تراجع عن قبوله بها عقب سماعه الفتوى الجماعية لعلماء الديار والصادرة باسمهم كافة مذيلة بتوقيعاتهم الجلية .

نص الفتوى جواب السؤال كما دونت :

بعد مطالعة الكتاب في بحر أسبوع , اتفق علماء مصراتة على الجواب الأتي

" لا يجوز لمسلم أن يقول أنا ايطالي أو أريد الدخول في الجنس الايطالي ولو قال ديانتي مسلم لأنه إن أراد أن جنسه من الجنس الايطالي فهو كذب ونسبة مكذوبة بل كفر لظاهر حديث من انتسب لغير أبيه فهو كافر وإن أراد انه ايطالي فردة لما في خليل أن قال هو يهودي أو نصراني أو على غير دين الإسلام فردة في غير يمين .

ولقول الجوهرة :

وحفظ دين ثم نفس مال نسب

ومثلها عقل وعرض قد وجب

قال شارحها وقد اتفق أهل الملل على وجوب حفظ هذه السنة ودليلنا القطعي

قوله تعال " يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء "

وقوله تعالى " من كفر بالله بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان "

وقوله تعالى " يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " ....... صدق الله العظيم

وثيقة توقيع سعدون

باسم الدين والوطن كان المجاهد الشهيد سعدون السويحلي يوقع رسائله

هذه الصورة النادرة التقطت بجوار المدرسة الحربية بالملايطة , فالجدار الظاهر في خلفية الصورة يشير إلى المبنى ووجود الضباط الأتراك والألمان تحديدا عادة ما يشاهد في منطقة العرعار وسط كثبان الرمال أو قرب شاطي البحر ,هذه هي الصورة الوحيدة لرمضان السويحلي برفقتهم في جوار المدرسة مع وجود لبعض المجاهدين ويظهر أحدهم بملامح شبابية وكما هو معلوم فإن طلاب المدرسة كانوا من الشباب. الصورة ربما التقطت أثناء زيارة لرمضان للمدرسة وكان في استقباله الضباط الأتراك بعد أن احضر معه الضباط الألمان الذي استقبلهم في شط العرعار. معلوم إن الشيخ الميساوي عين بالمدرسة وكان يدرس الطلاب ما يشبه دروس التعبئة وتاريخ الفتوحات الإسلامي والجهاد الشرعي وآداب الحرب ...

رمضان بك السويحلي وبيده مسبحة

مع الشيخ عمر الكيلاني الجروشي

الشعر الشعبي المصراتي دون قصة هذه الفتوى وشجاعة وقوة إيمان العلماء في قصيدة شهيرة آنذاك للشاعر الكبير موسى احنيش السيوي المعداني المصراتي الذي عاصر الفتنة الاستعمارية ( توفى في عام 1951 ) لازال قلة من كبار السن يتذكرون مطلعها ولم أعرف أن أحدا يحفظها كاملة فعزمت على جمعها ونشرها كي لا يضيع ذكرها ويتوارى صيتها ولتتحول إلى وثيقة ناطقة بالحقيقة وشاهد إثبات ويقين عليها ,كنت قد استمعت لها كاملة من الشيخ الفاضل عمر الكيلاني الجروشي أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية – توفي الشيخ عمر الجروشي منذ العامين تقريبا وظل مخطوط كتابتي هذه لم يتغير حتى اللحظة التي قررت نشرها 2009 – اللهم اغفر له وارحمه وطيب الله ذكره ونفعنا بعلمه فهو بحق ذاكرة لقرن كامل من الأحداث والتواريخ , أظن إنني نسخت منها الكثير فله الفضل والعرفان ...

قصيدة الشاعر موسى احنيش السيوي المعداني المصراتي

وطني برزوا فيه افحولة " "

وطني برزوا فيه فحولة ما طبعوله تبعوا قول الله ورسوله

وطني برزوا فيه ثلوبا مايرضوش فساد الدين

يا مشناها شينك جوبا علي ما فيش يقين

كان صارت قلعة بالطوبة حال يدوخ ما هو زين

جملة في شبكة مكروبة تلاجي لإسلام مساكين

بدينا كيف عبيد النوبة انغير تمنى مشريين

ما تكافي عبدك بذنوبه أنت القادر وأنت المتين

قصر يا مولاى اشبوبا في الدنيا واحنا حيين

ويوفن لأيام المحسوبا ونبقوا في الدنيا هنئيين

واللي ما خممش اعقوبا يسافر من غير عوين

ايجي بروحه وخش اللهلولبا شنهو قوله يوم يقابل وجه المولى

* * * * *

تبع قول الله وكتابا وما تخافش مولاك معاك

راهو ما يضركش كذابا كنهوا آجلك ما ناداك

دار سوط ويبرم في اشنابا يحساب الملعون نشاك

والقاضي من كبر اخيابا فرحان بتبريم اسماك

دار جبة ويمشي بجنابا وعلمه عالمذهب واراك

بورخيصه1 هوا واصحابه في وسط الموضع هذاك

ليهم مالك فاتح بابه فيهم سحر الكافر حاك

* * * * *

وطني برزوا فيه وبانوا لأشراف اولاد سليمان

مابعوش الملة خانوا دين محمد ما يهان

راكم بالكفرة تطمانوا اتخشوا في بحر الظلمان

يا عرب الدين الحقانوا محمد فارز لاديان

نا كيف بننسب طلياني2 زوزاب وجدي روماني

يا نفسي عني تهاني لو نلقى توة ندفان

يا أسياد عليكم لوماني لاقطاب ارجال الديوان3

يا لأسمر 4 زين البرهاني بوصمعة من بعد اتبان

اني راني في الهم انعاني منا ما نباتش سهران

من قول تعالوا دوماني5 حد وصوله أطبع

خش الكفر اقبولة

* * * * *

وطني برزوا فيه تعلوا ايبانوا كى انجوم الميزان

بالخفيضة والنفضة ملوا6 النازل في آيات القرآن

من العلم الظاهر ما خلوا والباطن في اييد الرحمن

شيك ظلام علينا جلوا في غولة طلقت نيران

اذاهبكم ما عاد اتولوا تهملكم كيف الحيوان

وين علينا عاد تولوا قالوا من ذرية جوان7

يا ناس كيف ابنسلوا نأخذ قولة نحمر زرعيتي واسبولة

* * * * * *

وطني برزوا فيه ارجاله هلي ما يخافوا ملموت

احنا ما نرضوش البطالة الحي يفنى والعمر يفوت

ومن العلماء ماهي هجالة8 لا تخلط لحدود تفوت

راضيهم مولاي عدالة هم عرب الدين المزبوط

يوم الرب يقول تعالة ايجو يضوو كيف الياقوت

ماهم اللي تنبالة يبغونا لثنينا خوت 9

بورخيصه هو واعواله10 مسكنهم قعر البهموت 11

ايظال يموجو في ملالة منها مشربهم والقوت

يحساب المولى يرضاله في مفعوله غافل والدنيا مهموله

* * * * * *

وطني برزوا فيه اجهار ولا يصير في الدين تحلبيد12

قاضينا واحد جبار وقلبه ملسلام بعيد

قال خلوا قول المختار عندي ليكم قول مفيد

بيه يخلد في وسط النار مقرون بشيطان مريد

غافل يا مربوط العار نهار يقصر عندك لوعيد

لكنتي لاسمر حضار عليه اقريب كل بعيد

جاب اليسرى ملكفار* يصكن فيه اقيود حديد

والشيخ بوتركية13 يزار والسي بعيو 14سلط لوليد

اللي أصله من ناس أخيار شريف أصلي ما هو تقليد

وعلمائنا كيف النوار امفتح في لغصان جديد

لولاهم وطني محتار

ناسه مشغوله في ظلمات النور ضؤوله

** * * * *

وطني برزوا منة اطيور عوادي

حاطوا عنا بسور حصين

المحجوب وسي بوهادي15

والزروق16 اشهاب الدين

وبوشيعفه17 قابل من غادي

مولى الطبل يدير زنين

وجملتهم صلاح ابلادي فردا فردا معدودين

ركابين اللي فدفادي وتاو الزرة فزاعين

يخلي حيشان الفسادي منهم ما يخليش ظنين

يا حاضر صلي عالهادي محمد ضاوي الجبين

حديثه في الكراس امقادي

جى في أصوله

بالسيف الكفار صغوله.

1- بورخيصه هو القاضي وأحد الذين حرضوا الناس على القبول بالتجنيس بالإيطالية.

2- طلياني أي التحول عن جنسي وديني وأنتسب للرومان.

* المقصود بصاحب الحديث هو الشيخ العلامة رمضان بوتركية وخطبته في الناس من شرفة القصر يدعوهم لرفض التجنيس ولم يخشى أو يجبن أمام صلف وعنجهية الحاكم الايطالي بارياني الذي كان بقربه.

clip_image020

في وسط الصورة تظهر الشرفة التي أطل منها الحاكم الايطالي ومعه الشيخ رمضان بوتركية

clip_image022

صورة أخرى لقصر حكومة مصراتة عقب سيطرة الطليان عليه وجعله مقرا للحكومة

لا حظ الشرفة وبها العلم الايطالي

clip_image024

وعلى أثر حركة الرفض الشعبي والعصيان التي قادها العلماء المصراتيون عمد الحاكم الايطالي بارياني إلى الخبث والحيلة والتخويف والترهيب لثني العلماء عن فتاواهم وعمل على إقناعهم بالعدول عنها تجنبا لغضبه ومنعا لقمعه الناس وإجبارهم بالقوة على القبول,- ( يورد وصف هذه الحادثة الشيخ العالم محمد مفتاح قريو في ترجمته للشيخ رمضان بوتركية عند حديثه عن علماء وأعيان مصراتة ) - فاستدعاهم لقصر الحكومة الايطالية بمصراتة للضغط عليهم وتهديدهم. زحفت حشود من الناس ولحقت بوفد العلماء كان على رأسهم الشيخ العلامة رمضان أبوتركية وهم في طريقهم إلى القصر وأحاطت الجموع الساخطة بالمبنى وهم يكبرون ويهتفون ضد المستعمرين, كان المنظر مهيبا والجو مشحون بالغضب والغليان وينذر بالتفجر في أي لحظة. في شرفة القصر تمت المحاورة بين العلماء والحاكم الايطالي الذي سألهم عن رأيهم في القانون وهل قبلوا هم به ,فأجابوه بكل شجاعة وشموخ نحن نرفضه مجتمعين لأنه يتعارض مع ديننا وعاداتنا ويمسخ خصوصيتنا وتضرب تبعاته لحمتنا الوطنية, نحن عرب ومسلمون نحن لسنا أنتم وأنتم لستم نحن.لكم دينكم ولنا ديننا لكم لغتكم ولنا لغتنا, نحن ليبيون وانتم طليان وهذه أرضنا وليست أرضكم. استشاط الحاكم الايطالي غاضبا ولمح للعلماء بأنه سيبدأ في قذفهم من الشرفة الواحد تلو الأخر إن لم يغيروا رأيهم فكرروا رفضهم وتابع الجمهور الغفير الموقف بتحفز وغضب أكبر ,, تنبه الطليان إلى خطورة الموقف وقرب انفلات زمام السيطرة وأن الفوضى ستعم وستكون بمثابة ثورة وتمرد يصعب التكهن بنتائجهما . عندها تراجع الحاكم الإيطالي الجبان عن فكرته الشيطانية أمام صمود العلماء وثورة الشعب وتلاحمهم معا, وانتهت معركة التجنيس بنصر سياسي كبير وبتعاضد بطولي رائع للشعب والعلماء الليبيين في وجه الطغاة المستبدين الطليان. لعل تاريخ الأمة الإسلامية في أيامنا هذه وفي كل حين في حاجة لمثل هذه المواقف ومثل أولئك العلماء الأجلاء والرجال الأفذاذ عليهم رحمة الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.

155 (33)

الجامع العالي بوسط مصراتة . عقب سيطرة الطليان على مصراتة

وغرب ليبيا حرص الزعيم الفاشي موسيليني على زيارته واستقباله

عنده كنوع من إظهار لسياسة التسامح وفرض الاستقرار بتحسين النوايا وربما عدمها

زاويا مصراتة حافظت على الدين واللغة 3

زوايا مصراتة حافظت على الدين واللغة

زاويا مصراتة حافظت على الدين واللغة

2009-12-02_125012

المساجد الزوايا وخلوات التحفيظ عززت الهوية وحفظت بين جدرانها علوم الدين واللغة وظلت منارات للعبادة وملاذات للناس وقلاع للجهاد

كان العلماء أصحاب فطنة وأهل حكمة فاتفقوا فيما بينهم قبل تلبية دعوة الحاكم الايطالي على أن لا يقبلوا حتى ولو قتلوا بعضهم وحددوا عددا معينا يقبلون بعده بما يفرضه الطليان عليهم , فلو قتل من الناس الثلث يقبلون أما دون ذلك فلن يقبلوا, والحكمة في رأيهم هذا أن يحفظوا الدين والأمة معا , فخافوا أن تزهق أرواح الناس وأن يلجأ الطليان إلى التقتيل والتنكيل أو أن تتفرق الناس ويضيع دينها فقررا أن يواصلوا مسيرة الصبر والجهاد ما استطاعوا ولعل فرج الله قريب فتفشل ريح الطليان ويضيع قانونهم هباء ويبقى الدين ويبقى الشعب. تذكر بعض المصادر أن الشيخ بوتركية خطب في الناس وقال :

" يا معشر الناس .... عن الجنسية الايطالية لا يحتاجها إلا الدخيل وأما أبناء الوطن فلا يحتاجون إليها وليس فيها مصلحة بل قد تكون فيها المضرة عليهم في دينهم وفي وطنهم وحينئذ فلا توافقوا عليها ولو قتل منكم الثلث وجزاؤكم على ذلك الجنة " عندها وكزه الحاكم الايطالي بيده حتى سقطت عمامته ثم دفعه إلى الوراء وأمر بإخراجه من القصر. توفي الشيخ أبو تركية في العاشر الأوائل من شهر رمضان شهيدا عام 1365 هجرية وهو من مواليد عام 1266 فتكون وفاته بعد حياة دامت في الدنيا تسعة وتسعين عاما وصلى عليه غداة وفاته ودفن في روضة الشيخ احمد أبي تركية فقبره فيها مشهور, رحمه الله ورضي عنه.

صورة لفرح المجاهدين عقب نصر القرضابية 1

" الله اكبر الله اكبر ولله الحمد "

إهداء النفوس وإهداء السيوف

إن استعراض هذه المسألة الشائكة من تاريخ العلاقة الليبية الإيطالية إبان فترة الاستعمار البغيض كذروة للاشتباك السلمي والمقاومة المدنية والوطنية التي لم تفرط بالتراب فقدمت قوافل الشهداء كما ولم تفرط في الحقوق وتدنيس المقدسات فصرخت بالحق وأعلنت موقفها حفاظا على الدين والهوية في زمن لم يكن فيه للقبول بالمستعمر والتسليم له وإن ضعفت المقاومة وسيطر الغزاة بالأمر الهين على النفوس ولا بالممكن تسويغه بمعايير الشرائع والأخلاق الإنسانية . لهذا كله وبينما كانت حكومة المستعمر تدشن مرحلة استثمار الدماء وفرض سياسات الإعمار جاءت مسألة التجنيس كمقدمة انتقالية وخطوة على طريق تحقيق السلم الايطالي بليبيا بما لها من الرعايا تحت طائلة قانون ينظم المواطنة كملمح جديد رغم التفاوت الفاضح في بنود التقييم وفقرات التوصيف , لكنها في واقع الحال وسياق الزمن للحدث ذاته كانت فيها وجهة الغاية والغرض في غير صالح الليبيين الذين لم ينالهم من عناقيد الاستعمار المرير واستثماره الاقتصادي أي نصيب بعد , فالتوطين للمستعمرين يتزايد واطلاق ايادي الطليان بموارد البلاد يطبع كل مناشط الاقتصاد الزراعي والصناعي بينما ظل الليبيين بعيدا عن الحواضر وداخلها يعانون من الفقر والجوع والمرض , فكان ولابد لمثل هذه السياسة العرجاء أن تتوكأ على عجزها بضرب العرب الليبيين في إسلامهم لتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية تجمعهم ببعضهم وبالدولة علاقات قانونية وولائهم لها وحدها سيعمل على إلغاء الهوية الوطنية والثقافة المحلية تدريجيا , رغم ما بذله البعض لاحقا من محاولات لتطعيم وجه ليبيا الايطالية بإيقونات من رموزها الطبيعية والثقافية في إطار عام من الدعاية للمينرفا الرومانية التي كانت تعلو على الكل كما كانت روما القديمة ترى ذاتها وتؤسطر لولادتها من نسل الآلهة تلك التي تختزلها تماثيل الذئبة وطفلين يرضعانها. لكنها بزمنها الحديث كقوة مستعمرة وغازية تطاولت لترضع وتبتلع شعوبا أخرى لم تلدها الآلهة لكنها تعبد الله وتقدس أوطانها ..

Capture of the Prophet's flag during the October the 26th battle

هذه اللوحة الدعائية تصور بداية واحدة من المعارك الأولى بطرابلس , لاحظ انها

وحسبما يذكر المرجع الإيطالي نفسه كانت تستهدف القبض والسيطرة على

” راية الرسول “ أي راية الإسلام . كنوع من التهييج الديني لجعل الحرب الإيطالية على ليبيا أكثر قداسة

ولربطها بفرسان وشهداء الحروب الصليبية المقدسة ضد أمة

الإسلام المتوحشة ….

Capture of the Prophet's flag during the 1911
October the 26th battle

قارنها بالصورة الفوتوغرافية أدناه

سعفات إمنت Blog

لقد كانت المسألة اختبارا حقيقيا واجهه الليبيين لأول مرة لا تعدله صعوبة و خطورة إلا فداحة الغزو الايطالي ذاته , لكنهم نجحوا في تجاوزه كأزمة كادت أن تعصف بهم كشعب وكدين بل أيضا كاسم يحملهم ويحملونه بعقر دارهم ,,,, . لقد مرت ليبيا بأكبر محاولة لطمسها ومر الليبيين بأخطر محاولة لتذويبهم بأرضهم .

مما لاشك فيه أننا بحاجة وسنظل لإعادة فتح الموضوع ما بعد هذه الحادثة في قراءة أخرى لما طرحته من تداعيات ستخفف بعض من سياسات القبضة الحديدية على الشعب الليبي عبر فتح مجالات للتقارب معهم واحتواء وتطبيع لبعض مظاهر التعايش بالقدر الممكن والآمن من قبل الحكومة الإيطالية بنسختها الفاشية ودور العرابين الكونت فولبي دي مسراتا والجنرال الحاكم الشاب والطموح ايتالو بالبو الذي لا أجد له من شبيه إلا الحاكم الأمريكي المدني للعراق المدعو بريمر ....

سأختم الحديث بمقتطف من لقاء جمعني بالمثقف والسياسي الشهير والمثقف المثير للجدل , دكتور الفنون والوجه الإعلامي الأيطالي الحاضر بقوة بشبكات وشاشات وصفحات الميديا الإيطالية .فيتوريو إزغاربي Vittorio Sgarbi والذي كان في حلة خاصة له بالسياحة في ليبيا مقدمة من الحكومة الليبية كضيف رسمي عليها , يبدو أن أحدهم اقترح اسمي ضمن من رافقه من علماء أثار ايطاليين ورجال مراسم ليبيين , المهم ,, حين تقابلنا عرفني وقدمني إليه البروفسور الصديق لوديانو بيكيلي الذي أضاف إلى اسمي صفة المصراتي فرحب بي بحرارة ولكنه بادرني أمام الفندق ونحن في طريقنا إلى جرزة نذرع شوارع مصراتة الخالية في صباح باكر بصيف سبتمبر الحارق …..

vitorio sgarbi . libya فيتوريو ازغاربي Vittorio Sgarbi

قال : خبرني حبيب أين معالم هي مصراتة الايطالية الفاشية ؟ .. دلني عليها كي أراها .. فرددت عليه : ...

سيد ازغاربي هل أنت بحاجة إلى الله في هذه اللحظة ؟ فاستغرب سؤالي ورد بقوله وما دخل الله الآن . قلت له اليوم هو الأحد ,, ليس في مصراتة إلا فندق درجة عاشرة فاشي البناء وهو لا يليق بك كضيف مبجل وثمة مزارع ايطالية عادت إلى أهلها , وهناك كنيسة خربة انهارت ولم يصل فيها احد منذ خروج الطليان بإمكانك أن تقيم فيها هي الأخرى قداسا لرفع الحصار عن ليبيا فأنت حسبما سمعت قادم في طائرة خاصة اخترقت الحصار ولا بأس أن تحاصر فتاتك هذه هنا وتعمدها من جديد بزواج في كنيسة من الماضي الفاشي الذي تتحدث عنه .. كان بيكيلي يمسك ضحكاته بوضع يده على فمه وهو يراقب والدة ازغاربي المعجبة بالكلام كونه لم يتزوج بعد .غير أن السيد ازغاربي أعجبه الكلام أيضا وطفق يضحك ويحتضن فتاته الحسناء وهو يقول حقا ذهبت الفاشية حتى من مصراتة …

في طريق العودة من جرزة كان الظلام قد حل بالمكان , الطريق لم تكن جيدة ,لكن الرحلة ختمت بلقطتين متناقضتين الأولى أن ازغاربي أصر على اخذ صورة جماعية للكل وهو معنا وصحفي ايطالي يرافقه كان غريب الأطوار منذ بداية الرحلة فتجمعنا مع بعضنا ولم يلحق بنا ذلك الصحفي فناده ازغاربي تعال تعال , فقال له أن لن أصور في لقطة أمام ضريح لليبي قديم فقلنا له لماذا ؟ رد بالقول لقد قتل جدي هنا بليبيا . كانت هذه اللقطة الأولى أما الثانية فبعد مغادرتنا بقليل لجرزة اضطررنا للوقوف أمام حادث مروع انقلاب شاحنة محملة بالحبوب ويبدو أن البعض مصابين بداخلها . صرخ السيد ازغاربي في مشهد هوليودي عجيب توقفوا توقفوا ,,فتوقفت قافلة المراسم بجلال قدرها وكراهبها احتراما لأوامره الصارمة, كان نصف جسده بارزا من سيارة مرسيديس المراسم السوداء كبالون أبيض , ولكن ما أن نزل من السيارة حتى لاحظنا أن بنطلونه كان ممزق بالكامل بعد أن شقه أحد أوتاد الحديد بالمنطقة الأثرية . بينما قميصه الطويل يرفرف خارج حزام البنطلون ومفتوح الأزرار ..عموما شيء يذكر بأفلام الرحلات في القرن التاسع عشر . توقفنا ونزل السيد ازغاربي ببنطلونه الممزق وصدره المفتوح ليقوم بمعاونة المسعفين على حمل المصابين ولم نغادر إلا بعد أن اطمئن على الجميع . عند الفندق ودعته بسلام ومن معه ليحتفظ كل منا بهويته بتاريخه وترابه. رغم انتمائنا للإنسانية وللحضارة كآدميين من بيئات وثقافات مختلفة...

الحبيب الأمين

" طرابلس ,,نحن هنا ,, جئنا لنبقى "

هكذا قالوا غداة غزو ليبيا , لكنهم غادروا وظلت ليبيا لليبيين

الحبيب الأمين

->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art