الجمعة، أبريل 02، 2010

محمد الشلطامي .. أن تموت وتظل حيّـا*

الكاتب رمضان جربوع

بقلم رمضان جربوع ، في 1 أبريل 2010

 الشاعر الراحل محمد الشلطامي سيد الورد والشعر

كل قلب شمسه فيه، وحتى ان يكن

عصبوا عينى .. من يعصب قلبى؟

أن تولد وتترعرع وتجد وتكد وتتأهل وتنجب وتموت؛ ستظل ميتا إلى حين ..

أن تولد وتحمل على أكتافك هموم الإنسان بمطلقه، وتأنّ لأوجاع بني وطنك من حواليك وأولئك من بني جلدتك وينطق بلسانك وكل الآخرين، ثم تخرج منك الزفرات ملتاعا من الظلم والسياط والحبس، وتظل مهموما بأطفالك وأطفال غيرك، كلهم، إلى النفس الأخير .. ثم تموت، ولكنك تظل حيّا، ولن تحتسب من الأموات … فأنت حي وبين ظهرانينا بفضل شعر فياض ييث حبا ووجعا و لن يفارقنا لأنه ارتسم في قلوبنا، بل سيصحب من يلينا عندما نغادر نحن!

قليل من شعراء العرب من عانى مثلك، لم تهن ولم تذلّ تحت عصيّ الجلادين الذين ما فقهوا يوما "أن تقول شعرا" تًغنّى به آخرون بعد سنين من نظمه، في عهد آخر .. لقد احتسبوك معارضا شريرا، فانهالوا عليك بالحديد المفتول ضربا وساموك عذابا، وشدّ ما أوجعهم تلاوتك اللامنقطعة لــ "ياسين" فاشتطّوا غضبا وقهرا ونعتوك بالإسلامي، وعندما سمعوا صراخك من أجل المظلوم والمغبون ظنوك من أهل "ماركس" لم يجدوا غير ذلك، كان لديهم الدليل، ألم تكن سجادة صلاتك حمراء؟ ألم يتيقنوا بأنك لست بالخرز الملون والها؟ …

وحتى بعد مضي سنين استفاق الناس واعتدلوا، وودوا لو يغدقوا عليك كل ما تشتهي ، فما اشتهيت شيئا

يا شلطامي … ظللت منزويا تحمل أثقال "سيزيف" تأن لأوجاع بني الإنسان.

ما زلنا لا نعرف كيف يستطيع الفقير القنوع إن يغدق علينا العطاء الذي لا ينفذ، تعلمنا منه، حتى ولو بعد حين، من خلال عزفك بالحروف أن نسموا بأنفسنا ونستبشر ولا نخشى ولا نخاف ونقول لا!

لم تفارقك البسمة الهادئة ولا عشقك للحرية التي تحدثت عنها لطفليك قائلا:

يا طفليْ

يا زغب حواصل أفراخ الطير البرّى،

أعلم أن لا ماء لديكم،

أعلم أن لا شجر لديكم،

أعلم أن لا عمر الخطاب، أقابل في السجن الحربي،

وأعلم أنىّ

لن أستجدى العفوَ المخجلَ من أجلكما

فاليُتمُ جميلٌ

كنت يتيماً قبلكما

يا طِفليْ،

كم أحببتكما

لكنىِّ أحببتُ الحريَّةَ أكثرْ

وداعًا"

تميزت يا شلطامي إلى جانب قلبك، بضميرك ووضعته شرطا وهاجسا لكي نتحول إلى الأسمى:

إن هذه الأزمان عاهرة

عاهرة كبيره

وليس من يطالها

إلا الذي يخلع في حذائه ضميره

وكأني بك استبقتني بقولي أنك ستظل حيا حتى لو مت:

قل ما تريد

لكنما أنا لن أموت

أبدا لتركب جثتي للنصر … لا …

أنا لن أموت

حملت هموم الأمة وما يراد بها وكأنك تقرأ المستقبل وما سيحدث، فلقد قلت مبكرا (1971):

ان السيوف التي مزقت هامة الشّمْر

عادت لتستل قلب الحسين

وأن الذئاب التي افترست قاطع الدرب

عادت لتفترس العابرين

ولم تكف أبدا عن الحق في الكلمة الحرة:

يجهل السلطان أن الكلمات .. الدافئة

كالعصافير التي ترحل .. من كل مكان .. وإلى كل مكان

دون أن تحمل تصريح الدخول

يجهل السلطان أن الكلمات .. الخضر

لم تولد .. ولن تفنى .. على بوابة القصر الكبير

ولذا يحفر قبره .. حينما يحفر قبر الكلمة

وأضفت في وجه حملة المباخر الطبالين والزمّارين:

مشرق كالشمس وجه الكلمة

فلماذا حاصروها

لتغنى تحت أقدام الخليفة

وبأسماء الخليفة

ولماذا صادروها

حينما غنت لموت القبرة

وعري الشجرة

ولماذا قاوموني حينما أشرعت بابي للرياح

لم تخف الموت ولا الإعدام موحيا بالبقاء حتى بعد الفناء:

لا تبكوا ليلة إعدامي

فاليتم رقيق وجميل

والموت لأجل صباح أفضل

في ساحات العشق نبيل

وسأزرع في قبري المجهول لأجلكما

ولأجل عيون الأطفال الأحلى

من قمر الصيف المبتهج الأضواء

مشاتل زيتون وقرنفل

حتى إذا امتدت أغصاني فوق القبر

وجدتم ظلا

ولذا أدفع للجلاّد برأسي

معتنقاً "كلاّ"

في وجه الحقد الهستيري الطالع

فوق جبين العصر

ثم تردف:

لست مهتما بمايحدث لى

فى ظلمة القبر، ولكن

كل همى،

مالذى يحث فوق الارض بعدى

إنما الروعة أن،

تركض نحو الموت مرفوع الجبين

ولتجىء من بعدنا شمس الربيع

وليغن كل أطفال البشر

انما نقتل من اجل الصباح

وأيضا:

أقتلنى إن شئت أقتلنى

فالفلقــة لا تجــــــدى

والليل إذا ما طال يعذبُنى

وعصــاك ككل عصى العالم

أحـقر ما صنع الجبن

حقق إن شئت وعذبهم

أطفالـى بالغربـة والليل

ودعنى فى سجنك منسى

فلا.. لن أحفظ بالفلقة

والمخبر درســــى

وتظل تأمل وتحمل هم الإنسان حتى في أحلك الأيام فقلت مفعما بالأمل الذي لم ينقطع:

يقفل المحضر ولنمضى إذن

ربما كان القتيل هذه المرة شعبا أو وطن

لتسمع الرجال

يسبحون بإسم هذا الزمن المعطاء

وينشدون روعة الصمود والأحزان من أجل أن يولد شيء اسمه الإنسان

ولن نستطيع أن نوفيك حقك، ولكن لعل كلمات شاعر آخر قد تكون وصلتك، فلقد قال "سالم العوكلي" بعد أن رحلت:

دون أن يطرد أشباحَك

كم أشرق صبح بنغازي فيك ..

ودون أن ترى دمعتك

كم أشرقت في سماء بنغازي

تغدو دائما حيث

الغيم يدلي لدلوك مجازَ العشب

ومحراثك على رأس القلم

أينعتَ حزننا وأنت غائب

وقال لك شاعرنا الآخر، الحبيب الأمين مؤيدا ما ذهبت إليه بأن ستظل حيّا حيّا:

لن يخبئك الموت عبر القبور

إلا لتبعث في كل حين

كما تبعث الشمس كل البذور

خضار غضل

الحزن يحفر فينا

ألاف القبور

ومازال في الأعماق يفل

لكنك كنت العابر الصوفي

يمسح الأوراق بكرامة الحبر

لبؤساء بعثرتهم ظلمات الخريف

عيدانا وقش

في رحيلك نظرت إلينا

ولم تنتظرنا

وجهك تيمم النور

ووجوها تحتضر

وداعا يا مشرق الوجه كالشمس بعد انكشاف السحاب يا شاعر الوطن ليبيا والوطن الكبير ووطن المسملين ووطن الإنسانية كافة سنموت من بعدك وينسوننا ولكنك؛ وإن متّ، ستظل حيا لأجيال وأجيال فلعل كلماتك تمس منهم وترا وتقول لهم "كنا نحبك وسنظل" ما حيينا!

__________________________________

*محمد الشلطامي (1945-2010) سجن بسبب شعره ونضاله من أجل الإنسان المظلوم والمغبون عدة مرات ابتداء من سنة 1964 ، بعد إطلاق سراحه أعيد اعتباره ولم يتعرض له أحد ولكنه ظل معتكفا لا شغل له إلا أسرته وكلمات يقرأها وأخرى يكتبها نشر البعض والآخر ربما يخرج.

له عدة دواوين منها:

أناشيد عن الموت والحب والحرية ، تذاكرللجحيم، عاشق من سدوم ،

قصائد عن شمس النهار، بطاقة معايدة إلى مدن النور، قصائد عن الفرح ، منشورات ضد السلطة ، أنشودة الحزن العميق

ramadanjarbou@yahoo.com

http://jarbou.maktoobblog.com

نشرت الخميس 1/4/2010م بالقدس العربي لندن/ أويا، طرابلس

->إقراء المزيد...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Google

متواجدون

نصير شمه - مقطوعة العصفور الطائر

قصور مصراتة

art